عبد الستار قاسم
لم تتم تفجیرات غزة ضد أفراد شرطة فلسطینیین فی فراغ سیاسی وأمنی، وإنما تمت بناء على رؤیة واضحة لمعادلات المنطقة العسکریة والأمنیة، والدور الذی یمکن أن تلعبه غزة فی مواجهة الکیان الصهیونی. وقد تمت التفجیرات بعد ما تناقلت وسائل الإعلام تصریحا صدر عن أحد قادة حماس بأن المقاومة الفلسطینیة ستفتح النار إذا نشبت حرب بین الصهاینة وحزب الله. ونحن على علم ویقین بکل المحاولات الهادفة إلى زعزعة الاستقرار فی غزة، وإلى إفقار غزة علّ وعسى أن یدفع ذلک الجمهور الفلسطینی إلى الخروج على المقاومة والقضاء علیها. حصلت عدة محاولات لتفجیر الوضع الأمنی فی غزة، وهناک من هم معنیون بتصنیف المقاومة الفلسطینیة ضمن قوائم الإرهاب، وهناک حصار غربی صهیونی عربی فلسطینی على القطاع وتضییق إرهابی اقتصادی شدید على السکان إلى درجة أننا لا نستطیع تحویل دولار واحد من مصارف الضفة الغربیة إلى قطاع غزة.
والأمر لا یختلف بالنسبة للمقاومة اللبنانیة والتی تعانی منذ سنوات من التضییق والحصار من قبل عرب وصهاینة وغربیین إلى درجة أنهم قطعوا بث وسائل إعلام المقاومة ویکرسون جهودا إعلامیة هائلة لتشویه صورتها. ووصل تأثیر وسائل الإعلام السلبی إلى الساحة الفلسطینیة وتمکن أصحابه من تشویه صورة المقاومة ورکزوا على أنها شیعیة ضد أهل السنة ولیس ضد إسرائیل. کل هذا اللغط وهذا الهجوم على المقاومة اللبنانیة لا یقنع أناسا فلسطینیین کثرا بأن المقاومة اللبنانیة مع فلسطین ولیس مع أعداء فلسطین.
وواضح من فلسطین ولبنان أن ألد أعداء المقاومتین اللبنانیة والفلسطینیة هما الداخلین الفلسطینی واللبنانی. فلسطینیون هم ألد أعداء المقاومة فی غزة، وهم یتآمرون علیها ویحاصرونها أکثر بکثیر مما یتآمرون على الکیان الصهیونی إن کانوا فعلا یتآمرون علیه. ولبنانیون هم ألد أعداء المقاومة اللبنانیة، وعلى شاکلة الفلسطینیین، لدیهم الاستعداد للتعاون مع الکیان الصهیونی من أجل القضاء على المقاومة. وکم من مرة تآمر الداخل اللبنانی والداخل الفلسطینی على المقاومة وعملوا على إفشالها. هکذا حصل فی الحرب عام 2006 على حزب الله، وفی أعوام 2008/2009، 20012، 20014 على قطاع غزة. ولم ینأى العرب بأنفسهم عن هذه الحروب. لقد حرضت أنظمة مصر والسعودیة والأردن الصهاینة على الاستمرار فی الحروب حتى القضاء على المقاومتین. لکن الصهاینة کانوا یخذلون أعوانهم وعملاءهم العرب ولا یتمکنون من الاستمرار فی الحرب. لقد قضت المقاومة على النظریة الأمنیة الصهیونیة التقلیدیة، وبات الصهاینة على یقین بأن حروب النزهات قد انتهت، وأنهم أمام واقع عسکری جدید وأمام مقاومة مختلفة عما عهدته فی السابق.
لکن لماذا کل هذا العداء العربی للمقاومة؟ هناک سببان: یتعلق الأول بالثقافة العربیة، ویتعلق الثانی بأمور سیاسیة. بالنسبة للثقافة العربیة، من المعروف أن عداء العرب بعضهم لبعض أشد من عدائهم لأعدائهم الحقیقیین لأن المنافسات القبلیة الداخلیة العربیة أهم بکثیر من تأجیج الحروب مع من هم لیسوا عربا. العدو الخارجی لا ینافس القبائل على الوجاهة العربیة وهو لیس معنیا بها. العدو الخارجی یرید تحقیق مصالحه، وقیم الوجاهة والقیادة والزعامة لا تعنیه. ولهذا لدى العربی الاستعداد لبیع وطنه والاستهتار بثروات الناس من أجل أن یبقى وجیها وزعیما جالسا على کرسی السلطة. أما المنافس الداخلی فیتطلع إلى خلع الکرسی من جذورها واستبدالها بکرسی خاص به. وإذا تتبعنا الحروب العربیة الداخلیة نجدها أکثر شراسة وقسوة ودمویة من الحروب مع الصهاینة أو غیرهم. هذا ما تؤکده الحروب الداخلیة التی حصلت فی العراق وسوریا ولیبیا. إنها حروب قبلیة شرسة ولا تعرف حدودا لآداب وأخلاقیات الحروب.
وبالنظر إلى الحروب البینیة العربیة نتأکد من المقولة. السعودیة تحارب فی الیمن على مدى عدة سنوات، وکم کان من الممکن أن تطول الحرب لو کانت مع إثیوبیا على سبیل المثال. الهزیمة أمام دولة أجنبیة مستصاغة ومقبولة، لکنها لیست مقبولة إذا کان المنتصر عربیا. وهذا أیضا نلحظه بهزائم العرب السریعة أمام الصهاینة، لکن مقاومة الأنظمة للناس وللتنظیمات الهادفة إلى تغییر النظام لا حدود لها. والأنظمة العربیة تکرس أجهزتها الأمنیة ضد المواطنین العرب ولیس من أجل المحافظة على أمن الناس. المخابرات العربیة هی أکبر تهدید لأمن الإنسان العربی.
أما من الناحیة السیاسیة، هزیمة الصهاینة هزیمة نکراء للذین اعترفوا بالکیان الصهیونی وأقاموا علاقات تطبیعیة ودیبلوماسیة معه وهم مصر ومنظمة التحریر والأردن. هزیمة الصهاینة ستعرض هؤلاء المعترفین بخطر شدید وزوال سیطرتهم تصبح حتمیة. ومن ناحیة أخرى، هزیمة الصهاینة تشکل ضربة قاسیة للتحالف العربی مع إسرائیل والذی یهدف إلى مواجهة إیران. فإذا هزم الصهاینة أو اهتز کیانهم بضربات عسکریة موجعة فإن التحالف العربی ضد إیران سیفقد عاملا مساعدا قویا فی مواجهة وهمیة تضر العرب ولا تنفعهم. القوة الإیرانیة تهدد الهیمنة الأمریکیة فی المنطقة والتی تشکل ظهیرا قویا لأنظمة الخلیج ولکل أنظمة القمع والاستبداد العربیة، ولهذا یبقى التحالف مع الصهاینة والأمریکان ضروریا لحمایة الأنظمة العربیة المتخلفة. وبالتالی فإن المحافظة على الکیان الصهیونی ودعمه فی مواجهة أی تهدید قد تفرضه المقاومة یخدم بقاء الأنظمة العربیة. وهذا یتطلب الوقوف ضد المقاومة حتى لا یصیب الصهاینة ضعف یقلل من قدراتهم على حمایة کراسی قادة العرب ومشاریعهم للسمسرة على الأمة العربیة والقضیة الفلسطینیة.
اکادیمی وکاتب فلسطینی