آل خلیفة یشعلون البحرین: إعدام الشبان الثلاثة جاء بضغط خلیجی
خطا النظام فی البحرین خطوة جدیدة باتجاه التصعید فی البلاد، کأنه یرید عملیاً جر المعارضة السیاسیة إلى مواجهة فی الشارع. فهو إثر إقدامه أمس، على إعدام ثلاثة شبان متهمین بقتل شرطیین اثنین وضابط إماراتی فی عام 2014، ما أدى إلى اندلاع تظاهرات احتجاج ضخمة، دفع بالبلاد نحو مرحلة لم تشهد مثیلاً لها.
العالم - مقالات
لم یکلّف النظام فی البحرین نفسه التمعّن فی صفحة الآثار والتداعیات. على مدى یوم أول من أمس، اختار أن یبقى صامتاً مثل وحش غادر، فأوکل إلى الأذرع التابعة له مهمة التلویح بحلول موعد إطلاق الرصاص على صدور ثلاثة ناشطین محکومین بالإعدام بتهمة تدبیر تفجیر وقع فی شهر آذار/مارس 2014 وأدى إلى مقتل الضابط الإماراتی طارق الشحی، واثنین آخرین من الشرطة، کانوا ثلاثتهم یشارکون فی قمع تظاهرة تأبینیة لأحد ضحایا القمع، فی بلدة الدیه شمالی البلاد.
بدا الأمر للوهلة الأولى کأنه محاولة لتفریغ شحنة الفشل المزمن عبر افتعال مبارزة أخرى على «میدان الحرب النفسیة»، وتصویبها نحو نزلاء «سجن جو المرکزی» وأهالیهم، عقب نجاح عشرة سجناء فی الأول من الشهر الجاری بالهرب من السجن المحصّن بجیوش المرتزقة والأسوار وکامیرات المراقبة.
وکان الظن أنّ الأمر لا یتعدى التلاعب بالناس بعدما أخفقت الأجهزة الأمنیة، بخبراتها وبخبرائها البریطانیین، فی إعادة القبض على الهاربین، وخاصة أن بینهم السجین رضا الغسرة، المحکوم بالسجن لأکثر من 200 عام، والذی نجح للمرة الرابعة فی الهرب، حتى بات یُلقّب بـ«سکوفیلد البحرین». هکذا کان التلقی بدایة لحکایة إعدام کلّ من سامی مشیمع (42 عاماً)، عباس السمیع (27 عاماً)، وعلی السنکیس (21 عاماً). لکن الأمور أخذت بعد ساعات قلیلة مجرى آخر.
فی بدایة یوم السبت، تلقّت عوائل المحکومین بالإعدام اتصالاً من وحدة الشؤون القانونیة فی «سجن جو»، وطُلب منهم الحضور للقاء أبنائهم، فی زیارة «غیر مجدولة». الزیارة العائلیة التی یترقبها فی العادة الأهل والسجناء، تحوّلت هذه المرة إلى «موعد للمأساة» کما یقول والد عباس السمیع. فالزیارات لا تُعقد یوم السبت (یوم الإجازة الرسمیة)، والجهة المختصة بإبلاغ المواعید لیست الوحدة القانونیة فی السجن.
وفی وقت لاحق، أکد تواصل الأهالی مع المحامین أنّ «الاحتمال الأسوأ، الوحید» هو الذی یطرق الأبواب. ویشرح أحد المحامین أنّ «الأمر کان واضحاً منذ أن أعلنت محکمة التمییز فی التاسع من الشهر الجاری حکمها النهائی القاضی بتثبیت حکم الإعدام، بعدما کانت قد رفضت حکم الاستئناف».
وبینما کان تنفیذ حکم الإعدام معلّقاً بتوقیع ملک البحرین، حمد بن عیسى آل خلیفة، عقب صدور قرار محکمة التمییز، فإنّ سلسلة الأحداث دفعت بالمحامین إلى الجزم بأن «التدخل السیاسی» کان یحرّک مجرى الأمور، وأن آل خلیفة کانوا مدفوعین إلى توریط أنفسهم نزولاً عند ضغوط حکام دولة الإمارات، آل نهیان، الذین کانوا یصرّون على تنفیذ حکم الإعدام.
ومع انکشاف خیوط الجریمة، ظهر یوم السبت، بادرت قوى المعارضة البحرینیة إلى تسلّم زمام الأمور، فدعت إلى النفیر العام وإلى النزول إلى الشوارع، لتشهد مناطق البلاد تظاهرات واحتجاجات واسعة لم تتوقف إلا لتعود بوتیرة أکبر فجر یوم أمس، حین تأکد أن السلطات نفذت جریمة الإعدام. ومع زخات الرصاص الانشطاری الذی کانت تطلقه قوات النظام على المتظاهرین، انتشرت صباح أمس صور الشهداء الثلاثة، وهم فی المغتسَل، وقد خرقت جسد کل واحد منهم أربع رصاصات ناحیة القلب.
واختار النظام مقبرة بعیدة عن المناطق الساخنة لکی یدفن فیها الشهداء الثلاثة، بعیداً عن غضب المواطنین، لکن لا بد أنّ عناصره سمعوا من الأمهات الثکلى هتافاتهنّ الداعیة إلى إسقاط النظام وإلى أن «یسقط حمد»، فیما کنّ محاطات بالقوات المدجّجة بالسلاح، وقد عبّرن بصوت صارخ عن الفخر بأبنائهم الذین «قُتلوا شامخین».
فی آخر حدیث قبل الإعدام بساعات، أودع الناشطون الثلاثة وصایاهم عند أهالیهم. فکانت الوصیة الأساس تأکیدهم أن «المطالب الشعبیة بحاجة إلى مزید من التضحیات»، وقال عباس السمیع لأهله إنّ «دماءه ستکون فداءً للوطن، وإن على الشعب ألا یستکین حتى ینال الحقوق کاملة». وأکد الثلاثة مجدداً براءتهم من تهمة قتل الشحی، وأعادوا حکایات التعذیب التی کان هدفها جعلهم یقرّون بما لم یفعلوه.
وأمس، أوضحت مؤسسة «ریبریف» للدفاع عن حقوق الانسان، التی تتخذ من لندن مقراً لها، أنّ عملیة الإعدام هی الأولى فی البحرین منذ عام 2010، وأول عملیة إعدام لبحرینیین منذ عام 1996. وقالت مدیرة «ریبریف»، مایا فوا، فی بیان، إن الإعدام یمثل «خرقاً مهیناً للقانون الدولی»، مضیفة أن أحکام الإعدام صدرت «استناداً إلى اعترافات انتزعت بالتعذیب».
وفی السیاق، أدانت مقرّرة الأمم المتحدة المعنیّة بالإعدام خارج إطار القانون، أنییس کالامارد، عبر حسابها على موقع التواصل «تویتر»، تنفیذ السلطات البحرینیّة الإعدام بحقّ الشبّان الثلاثة، معتبرة أنّ الحکم جاء من «خارج أطر القانون».
وبینما یُحکى أنّ قبیلة الشحی الإماراتیة، التی یعود أصلها إلى جبال إمارة رأس الخیمة الوعرة، «کانت تبحث عن الثأر»، فإنّ الأکید أنّ الدولة الإماراتیة حصلت على مبتغاها، لکنها لن تجد فی البحرین ما یُتیح لها إقامة «أعراس الانتصار». فالشوارع والمنازل ووجوه البحرینیین اکتست بسواد الحداد، وتکبیرات النفیر ضجت من المآذن، والتظاهرات الغاضبة ــ على طول البلاد وعرضها ــ مزّقت مجدداً ظلام التواطؤ والخذلان الذی تآمر على «ثورة اللؤلؤة» منذ سنوات أو یزید، وکأن «ذکرى الثورة فی 14 فبرایر» کُتب علیها هذا العام أن تحل قبل شهر من الزمن.