ضغوط کبیرة على دیاب لدفعه الى الاستقالة
کشفت اوساط سیاسیة مطلعة فی بیروت انّ هناک ضغوطاً تمارس على رئیس الحکومة لبنان حسان دیاب لدفعه الى الاستقالة، حتى لا یکون حجر عثرة امام نافذة الحل التی فُتحت خارجیاً.
ونقلت صحیفة الجمهوریة اللبنانیة الیوم الاثنین عن هذة الاوساط ، هذه الضغوط تتمّ على مستویات عدة منها: اولاً- من خلال تصعید التظاهرات فی الشارع وثانیاً- من خلال استقالة مجموعة من الوزارات.
وذکرت هذه الاوساط انه تمّ امهال دیاب الى الیوم حتى یقدّم استقالته اثر جلسة مجلس الوزراء، وفی حال اصرّ على البقاء، هناک اجماع لدى القوى السیاسیة على وقع مجموعة من الوزراء الى الاستقالة، على ان یکون الخیار الاخیر سحب الثقة من الحکومة فی مجلس النواب، الذی سیبدأ جلسات مفتوحة ابتداء من الخمیس المقبل.
وفی هذا السیاق نشر موقع النشرة الاخباری الیوم طرح توقیت العودة إلى التصعید فی الشارع السؤال عن أهدافه الحقیقیة، لا سیما أنّ التحرک استبق نتائج التحقیق الجاری فی أسباب الانفجار فی المرفأ، ولم یتمّ تحت عنوان المطالبة بعدم التستر على المسؤولین والمتورّطین فیما حصل من فاجعة، بل شهدنا محاولة مکشوفة ممن استغلّ معاناة الناس لأجل التعمیة على الأسباب الحقیقیة التی أدّت إلى تفجیر مستودع الأمونیوم التی تتحمّل قوى ١٤ آذار جزءاً کبیراً من المسؤولیة فیه، حیث کانت هذه القوى فی سدة السلطة وتتحکم بمفاصلها بین أعوام 2٠١٣ و٢٠١٩.. وازدادت إلحاحیة هذا السؤال، انّ هذا التحرک اتخذ طابعاً سیاسیاً واضحاً، ظهر من خلال ترکیز من استغلوا معاناة المواطنین، هجومهم على العهد والحکومة وحزب الله، وتحمیلهم مسؤولیة الکارثة فی ظلّ خطاب تحریضی تقوم به بعض المحطات التلفزیونیة المعروفة بارتباطاتها بحزب القوات اللبنانیة والسعودیة لإثارة الفتنة.. وهو ما أفرح کیان العدو واللوبی الصهیونی فی الولایات المتحدة…
یمکن القول إنّ هناک جملة من الأهداف غیر المعلنة یُراد تحقیقها من وراء هذا التصعید المفاجئ فی الشارع ومحاولة إعطائه زخماً عبر اقتحام بعض الوزارات والعبث بمحتویاتها وحرق صور الرئیس میشال عون..
أولا، الضغط لإسقاط الحکومة واستقالة النواب فی سیاق السعی الى إجراء انتخابات نیابیة مبکرة رهاناً على أن تقود الى إحداث تغییر فی المعادلة السیاسیة واستعادة قوى 14 آذار الأغلبیة النیابیة والعودة الى السیطرة على مقالید السلطة… وفی هذا السیاق تندرج استقالات بعض النواب والوزراء بهدف هز الحکومة لدفعها الى الاستقالة وکذلک دفع أکبر عدد من النواب الى تقدیم استقالاتهم…
ثانیاً، قطع الطریق على النتائج الإیجابیة الناتجة عن الانفتاح الدولی على لبنان، واستمرار المساعدات التی ترافقت مع حرکة دبلوماسیة کثیفة تجاه بیروت، وعقد مؤتمر دولی خصص لجمع المساعدات المالیة لإعادة إعمار ما دمّره الانفجار فی بیروت والمرفأ، وسط دعوة الرئیس الفرنسی إیمانویل ماکرون المشارکین للتعجیل بدعم لبنان قبل أن تعمّ الفوضى فیه، مما یشکل متنفساً للبنان، وتخفیفاً للحصار الأمیرکی المفروض علیه منذ أشهر، وبالتالی تعزیز موقف العهد والحکومة الحالیة، وسقوط رهانات قوى ١٤ آذار ومجموعات الـ NGO على عرقلة جهود الحکومة لمعالجة الأزمة وصولاً إلى إسقاطها..
لقد کان واضحاً أنّ أکثر ما أقلق قوى ١٤ آذار إنما هو الانفتاح الفرنسی الأمیرکی على العهد والحکومة والذی ترجمه اتصال الرئیس الأمیرکی دونالد ترامب بالرئیس میشال عون وإعلانه المشارکة فی المؤتمر الدولی لدعم لبنان، وزیارات المسؤولین العرب والإقلیمیین والأجانب.. ونتائج زیارة الرئیس الفرنسی ایمانویل ماکرون ولقائه برئیس کتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على هامش الاجتماع الذی جمعه مع رؤساء الکتل النیابیة اللبنانیة، ومن ثم ردّه على أسئلة الصحافیین بقوله.. إنّ حزب الله یمثل شریحة واسعة من اللبنانیین ولدیه کتلة نیابیة وازنة…
ثالثا، قطع الطریق على التحقیق الذی تجریه الدولة فی انفجار مستودع نیترات الامونیوم والذی أظهر سرعة وجدیة من خلال توقیف القضاء للمسؤولین عن الجمارک وإدارة المرفأ، والذی یأتی فی ظلّ عزم وإصرار من قبل الرئیس عون ورئیس الحکومة بأن یصل التحقیق إلى تحدید المسؤولین والمتورطین الفعلیین ومحاسبتهم، على الاهمال والتقصیر او التعمّد فی إبقاء شحنة الامونیوم کلغم خطر فی مرفأ بیروت، والذی انفجر وأدّى إلى کارثة وفاجعة أصابت بیروت وکلّ لبنان.. ومعروف أنّ معظم المتورطین هم تحدیداً من قوى ١٤ آذار لأنّ نیترات الامونیوم تمّت مصادرتها من الباخرة الآتیة من جورجیا عام ٢٠١٣ وجرى وضعها فی مخزن فی المرفأ ولم یتمّ التخلص منها رغم خطورتها، لا بل تمّ تجاهل کل التحذیرات من خطورة بقائها، والتی أکدتها المراسلات بین الجهات المعنیة فی القضاء والسلطة التنفیذیة وإدارتی الجمارک والمرفأ.
رابعا، محاولة التأثیر على التوجّه الأمریکی الفرنسی، بعد مدّ العون والمساعدات للبنان، والتی تهدف الى قطع الطریق على تفرّد الصین وروسیا وإیران والعراق بتقدیم الدعم والدخول على خط إعادة بناء ما دمّره الانفجار.. وبالتالی الحیلولة دون اتجاه لبنان صوب الشرق، والحفاظ على النفوذ الأمیرکی الغربی والعمل على تعزیزه، ولذلک بدأ فریق ١٤ یشعر بقلق من أنه لم یکن بالإمکان حصول هذا التدفق الکبیر فی المساعدات العربیة والدولیة إلى لبنان، وتوجّه المسؤولین العرب والأجانب إلى بیروت، واعلان الاستعداد لمدّ لبنان بالمساعدات، لولا وجود ضوء أخضر أمیرکی أوعز بذلک وترجمه اتصال ترامب بالرئیس عون… الأمر الذی یظهر أنّ فریق ١٤ اذار غیر مدرک لأبعاد الموقف الأمیرکی الفرنسی وخلفیات الانفتاح على العهد والحکومة وهو قطع الطریق على اضطرار لبنان الى التوجّه شرقاً إذا امتنعت الدول الغربیة عن تقدیم المساعدة له…
إذا توقیت التحرک فی الشارع والتصعید واستغلال معاناة الناس، یأتی فی سیاق حملة إعلامیة سیاسیة بدأت من اللحظات الأولى للانفجار، بهدف التصویب على الحکومة والعهد والطعن بشرعیتهما، والعمل على محاولة تدویل التحقیق فی الانفجار، ووقف التحقیق الوطنی، وصولاً الى محاولة فرض استقالة الحکومة وإجراء انتخابات نیابیة مبکرة، وإعادة خلط الأوراق والتأثیر على المواقف الدولیة لا سیما الموقف الامیرکی الفرنسی.. والحیلولة دون تقدیم المساعدات المالیة إلى الحکومة اللبنانیة.. وهو ما حصل بتأکید مؤتمر المانحین على تقدیم الدعم بإشراف الأمم المتحدة…
لقد طرح اتصال ترامب وزیارة ماکرون وتواتر زیارات مسؤولین عرب وأجانب إلى بیروت، السؤال بشأن ما اذا کان هناک تبدّل فی الموقف الأمیرکی الغربی یقضی برفع الحصار عن لبنان، أم أنّ الأمر مجرد خطوة تکتیکیة لإظهار التعاطف والتضامن مع لبنان لتعزیز النفوذ الأمریکی الفرنسی، وخلق مناخ یمنع دخول روسیا والصین على خط إعادة بناء وإعمار ما أسفر عنه الانفجار من کارثة فی المرفأ وجزء کبیر من مدینة بیروت.. هذا السؤال سیبقى مطروحاً إلى أن تتضح الأمور فی الأیام المقبلة لمعرفة ما إذا کان هناک استدارة أمیرکیة فرنسیة وجدت فی الکارثة فرصة لفک الحصار.. لقطع الطریق على إمکانیة توجّه لبنان صوب الشرق لمساعدته على مواجهة الکارثة التی تجعله بأمسّ الحاجة إلى المساعدات العاجلة للخروج منها، لا سیما أن الکارثة جاءت لتفاقم من حدة الأزمة المالیة والاقتصادیة والاجتماعیة التی یعانی منها لبنان منذ أشهر.. لکن بیان المؤتمر الدولی لدعم لبنان أظهر ان الموقف الأمیرکی الفرنسی فصل بین الدعم لإعادة إعمار ما دمّره الانفجار، وبین الموقف الذی یشترط موافقة لبنان على شروط صندوق النقد الدولی لتقدیم القروض له…
فی کلا الأحوال فإنّ الأزمة فی لبنان دخلت مرحلة جدیدة، من جهة تتوافر لدى الحکومة والعهد فرصة لإخراج البلاد من الکارثة التی أصابتها، یوفرها لها الدعم الکبیر، الدولی والعربی، الذی بدأ منذ الیوم الأول لحصول الانفجار الذی زلزل بیروت وضواحیها.. ومن جهة ثانیة نحن أمام إمکانیة تضییع هذه الفرصة إذا ما استقالة الحکومة، ودخلت البلاد فی مرحلة مدیدة من تصریف الأعمال، لأنه لیس من السهولة الاتفاق على قانون جدید لإجراء انتخابات مبکرة، ولا الاتفاق على تشکیل حکومة وحدة وطنیة، أو حکومة لا تحظى بتأیید الأغلبیة النیابیة.. وحتى لو افترضنا أنه اتفق على إجراء انتخابات نیابیة جدیدة مبکرة، فإنّ کلّ التقدیرات تشیر إلى أن نتائجها لن تغیّر کثیراً فی المشهد السیاسی… وبالتالی نکون أضعنا وقتاً ثمیناً یحتاج الیه لبنان لإیجاد الحلول لأزماته وتجنب المزید من تفاقمها..