احتجاجات شعبیة فی الجزائر والمغرب وتونس.. اصطدام قطار التطبیع الاستعماری بجدار الشعوب العربیة

بینما تحدث العدید من المسؤولین الأمریکیین والصهیونیین مرارًا وتکرارًا عن وقوف عدد من الدول العربیة منتظره لدورها خلف أبواب التطبیع منذ توقیع اتفاقیة التطبیع بین مملکة البحرین ودولة الإمارات مع الکیان الصهیونی، إلا أنه مع مرور الوقت یتبین أن تلک الدول لیس لدیها رغبة من هذا القبیل، بل إن تلک الدول أیضًا تحاول تجنب الخضوع لضغوط واشنطن للتطبیع مع الصهاینة وعدم إثارة غضب الأمریکیین. الجدیر بالذکر أن الضغوط التی مارستها إدارة "ترامب" على الإمارات والبحرین والسودان وسلطنة عمان والمملکة العربیة السعودیة للکشف عن علاقاتها التی کانت تتنامى وراء الکوالیس مع الصهاینة، کانت من أجل استخدامها بمثابة إنجاز لـ"ترامب" لضمان فوزه فی الانتخابات الرئاسیة القادمة. وفی غضون ذلک، وعلى الرغم من أن "ترامب" و"نتنیاهو"، إلى جانب بعض الدول العربیة الأفریقیة، کان لدیهم آمال کبیرة بتطبیع العلاقات مع "تل أبیب" فی القریب العاجل، إلا أن الحکومات العربیة الثلاث المهمة فی القارة، وهی الجزائر والمغرب وتونس، حولت آمال القادة الأمریکیین والکیان الصهیونی إلى سراب. ظروف المغرب الخاصة مقابل التطبیع کان المغرب من بین الخیارات لمتابعة الإمارات والبحرین فی تطبیع العلاقات مع إسرائیل. ففی 15 سبتمبر الماضی، ذکرت صحیفة "دیلی صباح" الترکیة أنه بعد تطبیع العلاقات بین إسرائیل والإمارات والبحرین، یتطلع "ترامب" وإدارته إلى أن تنضم المغرب، التی تضم أکبر جالیة یهودیة فی العالم العربی إلى قطار التطبیع. ولقد تنامى هذا الحلم مع الاقتراح بالقیام برحلات جویة مباشرة بین إسرائیل وهذه الدولة الواقعة فی شمال إفریقیا. کما ذکرت صحیفة "تایمز أوف" الإسرائیلیة أنه فی مقابل تطبیع العلاقات المغربیة مع إسرائیل، وعد "بنیامین نتنیاهو" بأن الولایات المتحدة ستعترف بالسیادة المغربیة على المنطقة المتنازع علیها فی الصحراء الغربیة.ویبدو أن الصمت الرسمی المغربی إزاء تطبیع الإمارات مع إسرائیل، لم ولن یستطیع الصمود إزاء موجات من الضغط الشعبی الرافض لخطوة التطبیع، تلک الموجات المتلاحقة کسرت حاجز الصمت الرسمی، فخرجت تصریحات لرئیس الحکومة المغربیة، "سعد الدین العثمانی"، أعلن فیها رفض بلاده لکل "عملیات التطبیع مع الکیان الصهیونی". تصریحات "العثمانی"، جاءت خلال مشارکته فی نشاط لحزب "العدالة والتنمیة"، وقال فیها أیضا إن "الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطینی هی خطوط حمراء بالنسبة للمغرب". وتابع: "موقف المغرب باستمرار ملکا وحکومة وشعبا هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطینی والمسجد الأقصى". وشدد على أن "کل التنازلات التی تتم فی هذا المجال هی مرفوضة من طرف المغرب". إن هذه التصریحات لم تشف غلیل الجمعیات والهیآت غیر الحکومیة، التی لم تکتف بزیارة العثمانی بعقر داره لتهنئه على التصریح، بل أصدرت عریضة حملت مئات التوقیعات ترفض الزیارة المرتقبة لجارید کوشنر، مستشار وصهر الرئیس الأمریکی دونالد ترامب، للمغرب. ورغم قوة التصریحات إلا أن البعض لا یعتبرها موقف رسمی، لا سیما أن "العثمانی" نفسه قال إنها تعبر عن رؤیته الشخصیة، لکن ذهب آخرون فی الوقت نفسه إلى أن الرجل هو رئیس الحکومة المغربیة وأن "السهم قد خرج من القوس". وعلى صعید متصل، تظاهر العشرات من النشطاء المغاربة، قبل عدة أیام، أمام قبة البرلمان بالعاصمة الرباط، ضد التطبیع مع إسرائیل، وعبروا عن رفضهم وإدانتهم لاتفاقی الإمارات والبحرین مع الکیان الصهیونی. وصدحت حناجر المتظاهرین بشعارات منددة من قبیل "لا احتلال لا تطبیع فلسطین ماشی للبیع"، و"الشعوب قمعتوها فلسطین بعتوها"، حیث تمیزت الوقفة التی امتدت إلى قرابة الساعة بمشارکة شخصیات حقوقیة وسیاسیة ودعویة، ومن مختلف المشارب والحساسیات. وجاءت هذه الوقفة فی إطار تصدی الشعب المغربی لکل محاولات تصفیة القضیة الفلسطینیة، عبر التطبیع والاختراق الصهیونی لبنیة القرار السیاسی العربی، والأنسجة الاجتماعیة لشعوب الأمة. وأکد المشارکون فی الوقفة أن، القضیة الفلسطینیة بالنسبة للشعب المغربی هی قضیة وطنیة على الدوام. معتبرین فی الوقت نفسه أن، الوقفة تأتی کذلک تفاعلاً مع البیان الأول للقیادة الموحدة للمقاومة الشعبیة الفلسطینیة.  تضامن تونس مع فلسطین تونس، مثل المغرب، کانت مخیبة للآمال للصهاینة، حیث صرح الرئیس التونسی "قیس سعید" صراحة أنه لن یکون هناک تطبیع مع إسرائیل. وعبّر أیضاً عن تضامنه مع الفلسطینیین، وأشار إلى أن بلاده "لن تقبل أبدا مبادلة فلسطین کسلعة"، وأضاف "مازلنا فی حالة حرب مع إسرائیل". کما صرح "سعید" مؤخرًا أن التطبیع مع الکیان الصهیونی یجب أن یعتبر "خیانة کبرى". وتجدر الإشارة إلى أن السید "سعید" استنکر مرارًا ما یسمیه "ثقافة الهزیمة" فی العالم العربی، ولطالما أدلى بتصریحات قاسیة ضد الکیان الصهیونی. کما أدانت أحزاب سیاسیة ومنظمات تونسیة، السبت الماضی، تطبیع البحرین مع الاحتلال الإسرائیلی، محذرة من تجاهل القضیة الفلسطینیة ومشاعر الشعب الفلسطینی. وحول هذا السیاق، قال النائب عن حرکة الشعب فی البرلمان التونسی "خالد الکریشی": "ندین بأشد عبارات التندید اتفاق التطبیع بین البحرین والکیان الصهیونی، ونعتبره ضربا للحق الفلسطینی الأصیل". وأضاف "الکریشی"، أن "الاتفاق خطوة فی الاتجاه الخاطئ، وللأسف ستکون لها خطوات أخرى فی نفس الاتجاه مثلما سبقتها خطوات تطبیعیة سابقة". ومن جهتها، قالت النائب عن التیّار الدیمقراطی "منیرة العیّاری": "ندعم القضیة الفلسطینیة بصفة مطلقة ومن دون شروط، ولا نساند التطبیع". ومن جانبه، أدان رئیس الرابطة التونسیة للدفاع عن حقوق الإنسان "جمال مسلم"، "قرار البحرین بتطبیع علاقاتها مع إسرائیل". وحذر "من انعکاسات خطیرة على القضیة الفلسطینیة جراء هذا التطبیع"، مطالبا حکومة بلاده "بتوضیح موقفها من قرار التطبیع". کما طالب نشطاء تونسیون، سلطات بلادهم، بتخصیص "یوم وطنی لمناهضة الصهیونیة"، فی إشارة إلى الاحتلال الإسرائیلی بفلسطین. وجاء ذلک خلال وقفة احتجاجیة، نظمها عشرات التونسیین قبل عدة أیام، فی شارع الحبیب بورقیبة، وسط العاصمة تونس، للتندید بتطبیع العلاقات بین البحرین والإمارات مع الکیان الصهیونی. ورفع المشارکون فی الوقفة، العلم الفلسطینی، کما رددوا شعارات عدیدة، بینها: "مقاومة مقاومة.. لا صلح لا مساومة"، الشعب یرید تجریم التطبیع"، "السیادة الوطنیة هی جوهر القضیة".التطبیع والثورة الجزائریة فی الجزائر، نظرًا لتاریخ ثورة البلاد المناهضة للاستعمار ضد الفرنسیین، ینظر الشعب الجزائری إلى فلسطین على أنها قضیة أخلاقیة ومعادیة للاستعمار. ولطالما کان الشعب الفلسطینی والمقاتلون الفلسطینیون ینظرون إلى الحرکة الثوریة الجزائریة التاریخیة على أنها نموذج لحرکة التحریر الفلسطینیة، وکان "یاسر عرفات" فی الجزائر عام 1988 وهو الذی أعلن عن إقامة دولة فلسطینیة. ولا ینبغی أن نتجاهل دور التضامن الفعّال وجمع الأموال لدعم الثورة الجزائریة (1954-1962) کعامل فی إحساس الجزائریین بالتضامن مع الشعب الفلسطینی فی مواجهة مؤامرة التطبیع. ولقد دعت السلطات الجزائریة إلى اعطاء الشعب الفلسطینی حقوقه المشروعة منذ الخطاب الشهیر الذی ألقاه الرئیس الراحل "هافاری بومدین" أمام الأمم المتحدة عام 1974، والذی قال فیه: "نحن مع فلسطین سواء قمعناها أو دافعنا عنها". وفی ضوء هذه العملیة التطبیعیة، انتقد الرئیس "عبد المجید تبون" مؤخراً بشدة الاتفاق بین إسرائیل والبحرین والإمارات، مؤکدا أن الجزائر لن تنضم إلى أی معاهدة تطبیع مع إسرائیل. وقال "تبون" فی خطاب عبر الفیدیو أمام الدورة الخامسة والسبعین للجمعیة العامة للأمم المتحدة "القضیة الفلسطینیة مقدسة لنا وهی بمثابة أم کل القضایا ولن یتم حلها إلا إذا أُقیمت دولة فلسطینیة فی العاصمة القدس بحدود 1967". وتظهر هذه المواقف أنه على الرغم من وجود فجوة فی کبیرة بین إرادة الحکومات والشعوب فی أنحاء العالم العربی بشأن التطبیع والقضیة الفلسطینیة، لا یمکن لحکومات المغرب والجزائر وتونس ببساطة تجاهل العاطفة الثوریة التی تمتلکها مجتمعاتها للدفاع عن القضیة الفلسطینیة.




محتوى ذات صلة

3 دول تدعو لاجتماع طارىء لمجلس الأمن حول فلسطين

للمرة الثالثة خلال أيام.... مجلس الأمن الدولي يدعو إلى اجتماعٍ ثالث لبحث التطورات في فلسطين المحتلة.

|

الغارات الصهیونیة متواصلة على قطاع غزة فی أول أیام العید و100 الف یؤدون الصلاة فی الاقصى

تواصل الطائرات الصهیونیة قصفها المکثف والعنیف فی مناطق عدیدة من قطاع غزة فی أول ایام عید الفطر السعید، وفی القدس ادى نحو 100 الف صلاة عید الفطر فی المسجد الاقصى.

|

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

الحدیث عن مشهد الصورایخ التی تدک تل ابیب وتحول لیلها نهارا مهم، لاسیما وان هذا المشهد غیّر فی معادلة الصراع وغیّر قواعد الاشتباک بین المقاومة الفلسطینیة والمحتل الاسرائیلی

|

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

المرشد الإیرانی یؤکد على أهمیة تضامن القطاعات الفلسطینیة وتلاحمها بوجه الاعتداءات الإسرائیلیة، ورئیس مجلس الشورى یدین الجرائم الإسرائیلیة، وعشرات الإیرانیین فی العاصمة طهران یتظاهرون تضامناً مع فلسطین ونصرةً للقدس وغزة.

|