تداعیات عودة العلاقات مع اسرائیل فی الساحة الفلسطینیة والاقلیمیة والدولیة
ماذا بعد عودة مسار العلاقة الفلسطینیة الاسرائیلیة والاستعداد لاستئناف المفاوضات بین الجانبین؟، لهذه العودة تداعیاتها على أکثر من صعید داخلیا وخارجیا، أی فی الساحة الفلسطینیة وفی الساحتین الاقلیمیة والدولیة.
على الصعید الداخلی هذه العودة جمدت الحوارات بین الفصائل الفلسطینیة، وبشکل خاص بین حرکتی فتح وحماس، حیث ترى فصائل بأن هذه العودة طعنة وانتکاسة، وضربة لهذه الحوارات.. وابتعادا عن امکانیة انهاء الانقسام، عودة اعادت حرب الاتهامات وستبقی على الصدع فی الساحة الفلسطینیة وسیعود ملف المصالحة الى الادراج لیحمل مزیدا من الغبار ووقف الحوارات بشأن هذا الملف یرضی العدید من العواصم، من بینها تلک الدول التی احتضنت هذه الحوارات، فهی لا ترید مصالحة فی الساحة الفلسطینیة، وانما فصلا کاملا بین الضفة الغربیة وقطاع غزة، تماهیا مع الموقف الامریکی الداعی الى اقامة دولة فلسطینیة شکلیة فی قطاع غزة، وهذا تدرکه حماس وفتح، رغم حوارات وفدیهما فی قطر ومصر وغیرهما، ویبدو أن قیادتی الحرکتین لیستا معنیتین بانهاء الانقسام، فلکل طرف تطلعاته ومصالحه، مدعومة من محاور فی الاقلیم بحیث تحول هذا الملف الى کرة تتقاذفها العواصم الراعیة لحوارات لیست جادة ومرفوض أن تحقق نتائج ایجابیة من جانب رعاة هذا الملف المتخاصمین، فعلى سبیل المثال، مشیخة قطر ترتبط بعلاقات قویة مع القیادة الفلسطینیة وحرکة حماس، وهی تنفیذ خططا امریکیة فی المنطقة، وبالتالی لیست معنیة بمصالحة فی الساحة الفلسطینیة رغم انها تستطیع التأثیر على قیادتی الحرکتین المتصارعتین وما تقوم به المشیخة فی قطاع غزة یؤکد ما ذهبنا الیه.
کذلک الادارة الامریکیة سواء القادمة أم الراحلة ومعها اسرائیل لا ترید مصالحة فلسطینیة، والتوجه الامریکی الجدید باستئناف المفاوضات یؤکد التمسک الامریکی بتعمیق الانقسام وقطبا الانقسام لیست لدیهما النوایا الصادقة والجادة فی انهائه، فالتحدیات والطعنات التی یتعرض لها الشعب الفلسطینی لم تخلق رغبة حقیقیة لدى فتح وحماس لانجاز المصالحة، وما التوافق على الحوارات الا مجرد تکتیک وعلاقات عامة، ودوران فی حلقة مفرغة، فلا یعقل أن یستمر الانقسام ثلاثة عشر عاما دون مصالحة، لو لم تکن لدى الحرکتین رغبة فی ذلک، ولتحقیق أهداف مرجوة، تساندهما قوى فی الاقلیم تعبث بالساحة الفلسطینیة وتملی على قیادتی الحرکتین کیفیة التعاطی مع هذا الملف.
وانعکاس آخر لعودة مسار العلاقة الفلسطینیة الاسرائیلیة یتمثل فی ابتهاج الدول المطبعة، وتلک التی تزحف باتجاه بوابة التطبیع، فمن جهة توقف عودة المسار انتقادات القیادة الفلسطینیة لهذه الدول، بل ستکون عامل جذب للقیادة لاستکمال المخطط المرسوم بشأن القضیة الفلسطینیة، فهی عودة مشجعة للتطبیع بأشکاله ومیادینه المختلفة، لذلک لا نستبعد حدوث مصالحات بین القیادة الفلسطینیة والدول المطبعة، فالعرابون کثیرون وبوابة النصائح مزدحمة والرغبة لدى القیادة متوفرة، وعلى الصعید الدولی، فتحت عودة مسار العلاقة الفلسطینیة الاسرائیلیة الباب واسعا لنشاط اوروبی امریکی هو فی الحقیقة استئناف لتحرکات سابقة تهدف الى استئناف المفاوضات الفلسطینیة الاسرائیلیة ولو أن نتائجها غیر مضمونة، بسبب التصلب الاسرائیلی وعدم قدرة العواصم الاوروبیة وعدم نزاهة الراعی الامریکی الرافض لمشارکة لاعبین آخرین رغم مطالبة القیادة الفلسطینیة بذلک.
یبقى القول، ان عودة العلاقات بین رام الله وتل أبیب فتحت مداخل جدیدة لمزید من التناحر والاتهامات والانقسامات والخلافات داخل الساحة الفلسطینیة واستمرار العبث الاقلیمی فی هذه الساحة، مع ان للقیادة الفلسطینیة التی اعادت علاقتها مع اسرائیل وجهة نظرها فیما اتخذته ورأت فیه انجازا سیاسیا، فی حین هناک تشکیک فی التزام اسرائیل بالاتفاقیات وعدم ضم الاراضی، والتخلی عن صفقة القرن والرافضون لخطوة القیادة الفلسطینیة یرون فیها انخراطا فی صفقة القرن مع انظمة الردة وسط تزاید البناء الاستیطانی.
