التدخل السعودی فی لبنان.. تأجیج الفوضى

السعودیة لا یؤرقها هذه الأیام سوى الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة، حیث انها تحاصر دولة قطر ومن ثم تقول أن قطر تتحالف مع ایران لذلک نحاصرها، وتقوم بحرب هوجاء على الیمن وتدمر بنیته التحتیة وتجوع شعبه ثم تتهم ایران وتحملها المسؤولیة، وکذلک تفعل فی سوریا والعراق، حتى انها تشترط على الولایات المتحدة الأمریکیة أن یکون أی اتفاق نووی جدید مع ایران بمشارکتها هی، وبالنسبة للوضع فی لبنان، الأمور لا تختلف کثیراً، فالسعودیة لم تقدم أی خدمة للبنان منذ زمن طویل، وکل ما تفعله هو تأجیج الفوضى وکیل الاتهامات لهذا الحزب وذاک. لتقل لنا السعودیة ما هی الرؤیة التی قدمتها للبنان لکی نقول انها تساهم فی حمایة وحدته؟. السعودیة منذ عدة سنوات وشغلها الشاغل "حزب الله" الذی حولته لشماعة بعد ان فشلت فی احداث فوضى کبیرة داخل لبنان تتناسب مع تطلعاتها، والأنکى من هذا انها تخرج للاعلام وتقول ان لبنان قطعة منا ولا نسمح لأی ید ان تمتد الیه بسوء، کما هو الحال مع القضیة الفلسطینیة، وباختصار الوضع یتجسد بالمثل الشعبی " أسمع جعجعة ولا أرى طحناً"، وهذا بالضبط ما فعله وزیر الخارجیة السعودی فیصل بن فرحان، الذی قال رداً على سؤال إن کانت المملکة التی دعمت الرئیس سعد الحریری فی السابق، تعتقد أنه الرجل المنُاسِب لإخراج لبنان من أزمته: "الأمر لا یتعلّق بفرد، بل الأهمّ أن یکون هناک تغییر حقیقی فی کیفیة العمل وأداء الطبقة السیاسیة فی لبنان". وأضاف: "الآن لدینا حالة حیث نظام الحُکْم فی لبنان یرکّز بشکل أساسی على تقدیم الغطاء لحزب الله. وهو ما یقوّض الدولةَ بالکامل. فالدولة تعجّ بالفساد وسوء الإدارة بفعل سیطرة حزبٍ علیها، هو میلیشیا مسلّحة تستطیع فرْضَ إرادتها على أی حکومة. ومن هنا، أعتقد أنه من دون إصلاحاتٍ هیکلیة تعالج هذه المشکلة الأساسیة، الأفراد لیسوا هم المسألة". فرحان عاد وصوب سهام المملکة نحو "حزب الله" والجمیع یعلم أن "حزب الله" هو جزء أساسی من المکون اللبنانی، ولا یمکن لای احد ان یمس بترکیبة لبنان المعقدة من خلال اخراج "حزب الله"، لأنه ببساطة لا یمکن اخراجه، لأن قاعدته الشعبیة کبیرة شاء من شاء، وله جمهوره ومحبوه من داخل الحزب وخارجه، وبالتالی تصویب السهام نحو الحزب هو محاولة لاحداث خلل بالسلم الأهلی، والحفاظ على استمرار الفوضى وافشال عمل ای حکومة، وللسعودیة تاریخ حافل فی هذا الموضوع، وجمیعنا یذکر کیف احتجزت سعد الحریری واجبرته على الاستقالة فی ظروف لم تسبق ان حصلت فی دولة فی العالم، کان ما یحصل اختطاف بکل معنى الکلمة إلى ان تدخلت فرنسا حینها وانهت الخلاف، ولکن علاقة السعودیة مع الحریری بقیت بنفس السوء، وهی لا تبارک ای حکومة یقوم بتشکیلها، وتعمل على افشالها، لکونها تشترط علیه اخراج "حزب الله" من الترکیبة اللبنانیة، وهذا طلب تعجیزی لا یمکن قبوله، فالکل یعلم ذلک، حتى السعودی تعی خطورة حذف "الحزب" وهو أمر لا یمکن حدوثه، اذا هی مصرة على وضع عصی فی الدولایب. فرحان حمل اللبنانیین مسؤولیة ما حصل، ورأى أن "أهمّ ما یمکن للبنان القیام به هو مساعدة نفسه. فالوضع السیاسی والاقتصادی هو ثمرة طبقته السیاسیة، التی لا تقوم بالترکیز على تحقیق الرخاء لشعب لبنان"،  ودعا وزیر الخارجیة السعودی إلى "القیام بالإصلاحات الحقیقیة، وتقدیم الخدمات من أجل البلاد، والترکیز على الاستفادة من إمکانات لبنان وطاقات شعبه، وهو شعب متعلّم کثیراً ومجتهد للغایة"، مؤکداً أن "لبنان یستحق أن یکون من أکثر البلدان ازدهاراً فی المنطقة، ولکنه یحتاج إلى حُکْم جیّد". السعودیة لا ترید الخیر للبنان ولو کانت ترید ذلک لقدمته لهم، وساهمت بإنهاء النزاعات بین رجال الطبقة السیاسیة، أو على الاقل وضعت یدها بید فرنسا، وعملت على اعادة انعاش المبادرة الفرنسیة، لکنها اعاقت هذه المبادرة، وتعلیقا على ذلک قال فرحان،  أکد رئیس المجلس التنفیذی فی حزب الله الشیخ علی دعموش ٫ أن من یعرقل تشکیل الحکومة الیوم، هو وقوف السعودیة وراء تمسک بعض الجهات السیاسیة المعروفة بالمطالب والحصص غیر الواقعیة التی لا تنسجم مع حجم کتلها النیابیة، وحمل الشیخ دعموش هذه الجهات السیاسیة ومن یقف وراءها من سفارات ودول إقلیمیة لا ترید الخیر للبنان ولا مصلحة اللبنانیین مسؤولیة تأخیر تألیف الحکومة. هل اقتنعت السعودیة أن تخطّی مبدأ التعایش هو استحالة بالنسبة لرئیس وزراء یدین بالولاء التاریخی للمملکة، وهو سعد الحریری ولم یستطع مع ذلک تخطّی التعایش مع حزب الله، بل أراد تعمیق وتعزیز التعاون الحکومی من أجل إنجاح مهمته. هناک تفاصیل کثیرة تؤکد أن السعودیة لا ترغب بالحریری ولا بتشکیله للحکومة، فقبل أسابیع نُشرت مقالة فی صحیفة "المدینة" السعودیة، والتی کانت تبدو کمحاولة سعودیة لمغازلة الحریری ودعمه فی جهود تشکیل الحکومة اللبنانیة تحت عنوان أن الریاض ترید الحریری رئیساً للحکومة اللبنانیة المقبلة دون الغوص بتفاصیل التشکیل والأحجام السیاسیة فیها. وجرى نشر هذه المقالة من قبل موقع تیار المستقبل والصحف المحسوبة علیه، فیما اعتبرت رسالة دعم. لکن سرعان ما تلاشت هذه الفکرة مع سحب المقال من الصحیفة السعودیة، بعد 4 ساعات فقط. وهو ما اعتبرته أوساط الحریری تأکیداً سعودیاً على مبدأ التخلی عن الحریری ودعمه على الرغم من الوعود الفرنسیة التی قطعت للأخیر بسعی باریس لثنی الریاض عن موقفها الرافض له.