هل تستطیع أمریکا ما بعد ترامب البقاء فی شرق سوریا؟

مع بقاء 50 یومًا فقط على تولی دونالد ترامب منصبه کرئیس للبیت الأبیض، فإن إحدى أکثر القضایا جدیةً فی السیاسة الخارجیة للحکومة الأمریکیة، تتعلق بتنفیذ العقیدة التی وعد بها ترامب، وهی "عقیدة الخروج". فی عام 2016، وفی خضم الحملة الانتخابیة لدونالد ترامب، وعد الأخیر مرارًا وتکرارًا بأنه سینهی الحروب التی لا نهایة لها وغیر الناجحة فی مختلف المناطق، ویعید القوات الأمریکیة إلى الوطن. فی البدایة، ربما کان یُعتقد أن فکرة ترامب هذه کانت مجرد رد فعل شخصی ولا یمکن تنفیذها عملیًا، لکن الحقیقة هی أن رئیس الولایات المتحدة کان نتیجة قراءة جدیدة لمعادلات النظام الدولی. وهذا یعنی أن النظام أحادی القطب ودور الولایات المتحدة کقوة شرطة دولیة لم یعد ممکنًا، وأن القوى العظمى الأخرى مثل روسیا والصین وحتى الجهات الفاعلة الإقلیمیة مثل إیران وترکیا وغیرهما، لدیها قاعدة خاصة فی مجال المعادلات المختلفة وتلعب دورًا نشطًا. ومع ذلک، فی الوقت القصیر المتبقی حتى نهایة ولایة ترامب فی البیت الأبیض، نشهد استراتیجیةً ملموسةً لسحب القوات الأمریکیة من منطقة غرب آسیا. حیث قام ترامب فی البدایة بتعیین "کریستوفر میلر" لیحل محل "مارک اسبر" کوزیر للدفاع بالإنابة، وبعد ذلک شهدنا استقالات من قبل عدد من کبار الأعضاء فی البنتاغون. وأعرب کریستوفر میلر، فی أول خطاب له أمام القوات الأمریکیة کوزیر للدفاع، عن نیته فی الإسراع بسحب قوات بلاده من الشرق الأوسط وأفغانستان. وما یزید جدیة میلر، قراره بتعیین العقید "دوغلاس ماکغریغور" فی منصب مستشار أول لوزیر الدفاع بالوکالة، وهو ما یعتبره خبراء السیاسة الأمریکیة مؤشراً واضحاً على نیة البنتاغون فی تسریع انسحاب القوات الأمریکیة من عدة مناطق فی الشرق الأوسط، بما فی ذلک سوریا قبل نهایة رئاسة ترامب. وماکغریغور معروف بدعواته المتکررة إلی انسحاب القوات الأمریکیة من سوریا. ومع ذلک، یعتقد بعض المراقبین أن وجود القوات الأمریکیة فی شرق سوریا سیتعزز فی عهد بایدن، وأن واشنطن ستقدم المزید من الدعم للمناطق التی تسیطر علیها المیلیشیات الکردیة. على عکس هذا النهج، الذی یشیر إلى نوع من التعاون والرغبة لدى کل من الأکراد والأمریکیین فی القضیة السوریة، فإن حجة المقال الحالی هی أن عملیة الانسحاب الأمریکی من سوریا هی عملیة لا رجعة فیها ولا یمکن إنکارها، وقد تتباطأ العملیة مع وصول جو بایدن إلى السلطة، لکن انسحاب قوات الاحتلال الأمریکیة من سوریا عملیة إجباریة. لماذا الانسحاب عملیة لا رجعة عنها؟ لقد استخدم دونالد ترامب کلمتی "الانسحاب" و"الخروج" عدة مرات فی السنوات الأخیرة لوصف استراتیجیة الولایات المتحدة فی سوریا، لکن قیل إن مسؤولی وزارتی الخارجیة والدفاع الأمریکیتین قد عارضوا القرار، وحتى أنهم أخفوا الحقائق المیدانیة عن ترامب. وفی هذا الصدد، صرح "جیمس جیفری" المبعوث الأمریکی إلى سوریا صراحةً بعد استقالته، بأنهم لم یبلغوا ترامب بحقائق وجود القوات الأمریکیة، وأظهروا الحقائق بشکل مغایر من خلال تغییر إحصائیات القوات الدائمة والاحتیاطیة. وبالنظر إلى ما تقدم، بینما قد یبدو انسحاب الولایات المتحدة من شرق سوریا صعبًا فی الأسابیع التی تسبق خروج ترامب من البیت الأبیض، لکن على عکس بعض المحللین فإن هذا الاتجاه سیستمر فی إدارة بایدن أیضاً. وفیما یتعلق بهذه الحجة، یمکن طرح عدة أسباب، وهی: 1. لقد تغیرت المعادلات بشکل کبیر على المستوى الدولی، ولم تعد الولایات المتحدة قادرةً على لعب دور قیادی فی النظام الجدید کقائد أو فاعل أول. وقد أظهرت التطورات السوریة على الأرض بوضوح أن الولایات المتحدة لیست حتى لاعبًا من الدرجة الثالثة فی المعادلات. 2. ثانیاً، فشل الأمریکیون حتى الآن فی لعب أی دور فاعل على صعید القانون والشرعیة الدولیین، وبالتأکید لن یکون لهذا البلد مکان فی تحدید مستقبل معادلات سوریا السیاسیة. 3. اتَّجهت السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة منذ الولایة الثانیة لرئاسة الولایات المتحدة فی عام 2012، إلى الخروج من غرب آسیا والتوجُّه نحو شرق آسیا. وأصبحت مواجهة القوة المتنامیة للحکومة الصینیة مبدأً رئیساً للحکومة الأمریکیة فی السیاسة الخارجیة، ویبدو تغییر هذا النهج غیر ممکن مع تغییر الأشخاص فی رئاسة البیت الأبیض. 4. على المستوى الرابع، تتمتع الحکومة المرکزیة السوریة بشرعیة کاملة بموجب القانون الدولی للسیطرة على أراضیها، وهذه العملیة، مهما استغرقت وقتًا طویلاً، یجب أن تتحقق فی النهایة. وفی مثل هذه الظروف، لیس فقط الولایات المتحدة ولکن أیضًا جمیع المحتلین الآخرین فی سوریا الذین لم یدخلوا المعادلات المیدانیة فی سوریا بدعوة من دمشق، یجب أن ینسحبوا. وهذه عملیة لا یمکن إنکارها، ویمکن أن یشار إلیها على أنها جبر تاریخی. أکراد سوریا.. الخاسرون فی ساحة اللعب الأمریکیة على مدى السنوات القلیلة الماضیة، سیطر الأکراد السوریون على نحو  20 فی المئة من الأراضی السوریة بدعم عسکری أمریکی فقط، لکن فی الساحة السیاسیة السوریة، لیس الحکومة السوریة فحسب، بل جمیع الأطراف الفاعلة فی محادثات جنیف وأستانا، لا تری أی دور أو مکانة لهم. وبتعبیر أدق، على المدى الطویل، لا خیار أمام الأکراد سوى الاستسلام لإرادة الحکومة المرکزیة، ودعم الولایات المتحدة لهم، مثل کل التجارب التاریخیة، لن یؤدی إلا إلى الخیانة. وفی الاتجاه الجدید أیضاً، وبالنظر إلى حتمیة الانسحاب الأمریکی من سوریا، یبدو سقوط حکومة الحکم الذاتی الکردیة مؤکداً. ومن المرجح أن یؤدی انسحاب القوات الأمریکیة من شرق سوریا إلى التدمیر الفوری للدولة الکردیة المتمتعة بالحکم الذاتی، والتی لا یمکنها مقاومة ترکیا ولا الحکومة المرکزیة. یبدو حالیاً أن السیناریو الأنسب لهم، هو التعاون والحوار مع الحکومة المرکزیة السوریة. ومن المؤکد أن هذا النهج أکثر منطقیةً بالنسبة للأکراد، من الأمل فی استمرار الدعم الأمریکی.




محتوى ذات صلة

مفتی سوریا: إغلاق إیران سفارة إسرائیل هو أول إشارة للوفاء لفلسطین

قال مفتی سوریا الشیخ بدر الدین الحسون، إن "أول إشارة للوفاء لفلسطین هو إغلاق إیران الإسلامیة سفارة إسرائیل"، مضیفاً أن "فلسطین رسالة لکل البشر حیث احتضنت کل رسالات السماء".

|

سلامي: أميركا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي يقول إن "الانفجار الكبير في مصنع محركات المضادات الدفاعية والصواريخ حاملة الأقمار الصناعية مؤخرا في "إسرائيل"، أثبت هشاشة النظام الأمني الإسرائيلي".

|

الجعفری یؤکد موقف سوریة الثابت والمبدئی تجاه القضیة الفلسطینیة

بحث نائب وزیر الخارجیة والمغتربین السوری بشار الجعفری مع السفیر أنور عبد الهادی مدیر الدائرة السیاسیة لمنظمة التحریر الفلسطینیة فی دمشق العلاقة بین البلدین وآخر التطورات على الساحتین العربیة والفلسطینیة.

|

هل تشهد الدولة السوریة حرب میاه تشنها ترکیا؟

حرب میاه تطل برأسها فی المنطقة، یشنها الأتراک على الدولة السوریة، حیث اکدت المعلومات انخفاض منسوب تدفق نهر الفرات إلى ٢٠٠ متر مکعب فی الثانیة، ما أدى الى انخفاض قدرة التولید الکهربائی فی "سد الفرات"، وانخفاض مستوى میاه بحیرة الأسد، بعد تشغیل قسد عنفات التولید الکهرومائی فی ...

|

سوریا: المحکمة الدستوریة ستدرس طلبات المرشحین لمنصب الرئیس

المحکمة الدستوریة العلیا فی سوریا تعلن تسلمها من مجلس الشعب صندوق التأییدات الخطیة للمرشحین للانتخابات الرئاسیة، وستدرس طلبات الترشح کافةً وتبتها خلال خمسة أیام.

|