إدلب السوریة تعود لوسط النار.. ما هو الحلّ النهائی لأزمة إدلب؟

بعد أکثر من عامین على أزمة إدلب الخطیرة کمرکز للأزمة السوریة وعدة جولات من المحادثات المتعددة الأطراف والثنائیة بین الفاعلین المعنیین، وخاصة روسیا وترکیا، لم ینجز حتى الآن أی سلام شامل ومثمر حول هذه المنطقة، وعلى الرغم من أن اتفاقیات وقف إطلاق النار بین القوات المتحاربة رافقها مستوى نسبی من التهدئة، إلا أن التقاریر المیدانیة تشیر إلى تصاعد التوترات فی إدلب، حتى إن المعادلة تطورت بطریقة تجعل من الممکن حدوث صراع شامل حول أزمة إدلب. واستناداً إلى آخر المستجدات المیدانیة، حاولت مجموعات تعرف بـ "حراس الدین" و"أنصار التوحید" و"هیئة تحریر الشام" استهداف مواقع القوات الحکومیة على محور "جبل الزاویة" (غرب إدلب) وجنوب إدلب، وأفادت تقاریر میدانیة بأن وحدات من الجیش السوری ردت بالمدفعیة والصواریخ لاستهداف مواقع إرهابیة على محاور "کنصفرة" و "سفوهن" و "بلدة البارة" فی جبل الزاویة، وفی هذا السیاق قال مصدر میدانی لوکالة سبوتنیک إن الإرهابیین حاولوا التسلل عبر محوری "بنین" و"کفر بطیخ" جنوب إدلب ، لکن وحدات استطلاع الجیش السوری منعت تقدمهم بضربات استباقیة، ما أدى إلى مقتل واصابة عدد من الإرهابیین. الجولة الجدیدة من التوترات رفعت مستوى الاستعداد للدخول فی اشتباکات بین الجیش السوری والإرهابیین إلى أعلى مستوى ممکن، ومع ذلک، یمکن طرح السؤالین التالیین، لماذا وصل مستوى الأزمة فی إدلب إلى الذروة مرة أخرى؟ ولماذا ظلت الأزمة فی هذه المحافظة السوریة دون حل؟. للإجابة على هذین السؤالین، یمکن عرض ودراسة ثلاثة محاور رئیسة کعوامل لتصعید التوترات والأزمة العالقة فی إدلب. عدم الثقة المتبادل فی تنفیذ اتفاقیات وقف إطلاق النار کانت محافظة إدلب من بین المناطق المتباحث حولها بین إیران وترکیا وروسیا منذ بدایة الاجتماعات والمفاوضات الثلاثیة، وتم التوصل إلى اتفاقات على عدة مراحل بشأن إدارة حالة المعادلات فی هذه المحافظة، ففی قمة أستانا فی مایو 2017 أعلنت ترکیا وروسیا وإیران لأول مرة إدلب والمناطق المحیطة بها منطقة لخفض تصعید، لکن إعلان إدلب منطقة خفض تصعید لم یبدو کافیاً، لأن التجمع الکبیر للجماعات الإرهابیة المختلفة، والتی تدعمها أنقرة أیضاً، مهد الطریق أمام مواجهة بین الجیش السوری والإرهابیین. مع اندلاع الاشتباکات الجدیدة الأولى فی المناطق الحدودیة بین إدلب وحلب، فی الـ 17 من أیلول 2018، تم توقیع اتفاق یسمى "اتفاق سوتشی" بین روسیا وترکیا، وبموجب هذا الاتفاق، اتفق الجانبان الضامنان على وضع یتم فیه تسییر دوریات مشترکة للقوات الروسیة والترکیة، لکن فی أواخر عام 2019 أعلنت وزارة الدفاع الروسیة عدم موافقة أنقرة على اتفاقیة سوتشی، مشیرة إلى أن الوضع فی إدلب أصبح متأزماً للغایة بسبب تدفق الأسلحة والذخیرة الترکیة إلى المدینة. بعد خرق اتفاق سوتشی، فی مطلع عام 2020، وعقب التحریر الکامل للمناطق المحیطة بحلب، شن الجیش السوری مرحلة ثانیة من عملیاته فی المنطقة الشمالیة الغربیة من البلاد، بما فی ذلک محافظة إدلب وریف حلب، تم فی هذه العملیة تحریر مناطق خان شیخون ومعرة النعمان وسراقب الرئیسیة والاستراتیجیة، وأثارت العملیة ردة فعل قویة من ترکیا، ونتیجة لذلک رأینا أن ترکیا هاجمت الجیش السوری فی عدة مرات خلافا للاتفاقیات القائمة، وأدخلت إلى المنطقة أکثر من 500 مدرعة ودبابة ومدافع ذاتیة الحرکة و4000 جندی. لکن نهج أنقرة هذا أثار ردود فعل من دمشق وروسیا، وخاصة بعد أن حاولت القوات الترکیة إسقاط مقاتلات روسیة، رأینا أن المقاتلات الروسیة هاجمت فی الـ 28 من شباط 2020 الجیش الترکی فی عملیة أسفرت عن مقتل 34 جندیاً ترکیاً، وعقب تصاعد الأوضاع فی إدلب ووصول الأزمة الى ذروتها، توجه رجب طیب أردوغان إلى روسیا یوم الخمیس 5 مارس لمناقشة قضایا تتعلق بسوریا حیث تحدث مع نظیره الروسی فلادیمیر بوتین لمدة خمس ساعات و40 دقیقة. وأدى هذا الاجتماع إلى اتفاق آخر، وبعبارة أخرى، إعلان وقف إطلاق النار بین الطرفین. لکن ظاهر الأمر منذ البدایة أظهر أن هذا الاتفاق کان نوعا من وقف إطلاق النار المؤقت ولم یکن متسقا تماماً؛ لأن ترکیا منذ البدایة لم یکن لدیها ای التزام بإنهاء وجود الجماعات الإرهابیة فی إدلب، لکن هذا الوضع کان بسبب انتشار کورونا الذی أخمد إلى حد ما نیران الحرب، وشهدت الحکومة الروسیة مراراً، خلال الأشهر القلیلة الماضیة، خلافاً لتعهد أردوغان بمسألة اتفاق إدلب فی مارس واستخدام الجماعات الإرهابیة فی مختلف المناطق، ولا سیما فی أزمتی لیبیا وقره باغ، ونتیجة لذلک، سحبت القوات العسکریة الترکیة مؤخرا عدداً من نقاط المراقبة فی ریف إدلب، بسبب عدم رغبة موسکو فی تزوید أنقرة بالضمانات الأمنیة المتوقعة من أنقرة بشأن نقاط المراقبة هذه، وقد جعل هذا الامر أفق وقف إطلاق النار فی إدلب یبدو مؤقتا وهشاً، وتشیر جمیع الأدلة إلى أن التوترات المتصاعدة فی هذه المنطقة من المرجح أن تکون أکثر احتمالیة من أی وقت مضى. عدم حصول اتفاق فی المفاوضات السوریة أحد الأسباب الأخرى لتصعید أزمة إدلب یمکن تقییمها فی فشل المفاوضات الأخیرة بین الحکومة والجماعات السوریة خلال محادثات جنیف بشأن صیاغة دستور جدید، فی الواقع، لو تم التوصل إلى اتفاق بین دمشق والفصائل المفاوضة السوریة، کان من الممکن التوصل إلى اتفاق وتنفیذ وقف إطلاق النار فی إدلب وغیرها من المحافظات السوریة، لکن بعد الأشهر التسعة الأخیرة من التعلیق، فشلت المفاوضات الأخیرة للجنة الدستوریة السوریة فی 24 آب 2020 فی جنیف بحضور جیمس جیفری الممثل الأمریکی لسوریا، کما بدا مؤکدا أننا سنشهد فی المستقبل القریب تصاعدا فی التوترات والاشتباکات بین قوات الجیش السوری والجماعات الإرهابیة المتمرکزة فی إدلب، فی الواقع، کلما طال تأجیل الاتفاق السوری الداخلی، سیتزاید احتمال تصعید الصراع. وقف إنهاء وجود الإرهابیین فی إدلب.. الحل النهائی لأزمة إدلب فیما یتعلق بآفاق أزمة إدلب، إن أهم القضایا المرتبطة بالسؤال التالی أی حل یمکن أن ینهی الأزمة حول هذه المحافظة؟ ان أهم حجج وذرائع ترکیا والغرب بشأن ضرورة وقف الصراع فی إدلب خلال السنوات القلیلة الماضیة، یتعلق بقضیة اللاجئین واحتمال حدوث أزمة إنسانیة فی هذه المحافظة، فی الواقع، لطالما استخدمت الحکومة الترکیة وجود 3 ملایین نسمة فی إدلب کذریعة لتعلیق إنهاء أزمة إدلب وأرادت بشکل من الأشکال المماطلة بأهداف محددة، لکن وفقا لکل الأعراف والقوانین الدولیة، ان عودة حکم دمشق على محافظة إدلب وطرد الجماعات الإرهابیة من هذه المنطقة تبدو واضحة وشرعیة. من ناحیة أخرى، فی السنوات الأخیرة، مع عودة الأمن والهدوء إلى أجزاء کثیرة من المحافظات السوریة، وکذلک صدور مرسوم عفو عام من قبل الحکومة، تم توفیر الشروط اللازمة لعودة اللاجئین إلى أراضیهم. والحکومات الترکیة والغربیة المعادیة هی التی تعرقل هذه العملیة وتستخدم الناس العادیین کدروع بشریة للحفاظ على وضعیة الإرهابیین فی إدلب. هناک تقاریر مختلفة تفید بأن الإرهابیین لا یسمحون للناس العادیین بمغادرة إدلب إلى المناطق الخاضعة لسیطرة الحکومة المرکزیة، لذلک، فإن حل أزمة اللاجئین غیر ممکن بالتأکید دون إنهاء وجود الإرهابیین.




محتوى ذات صلة

مفتی سوریا: إغلاق إیران سفارة إسرائیل هو أول إشارة للوفاء لفلسطین

قال مفتی سوریا الشیخ بدر الدین الحسون، إن "أول إشارة للوفاء لفلسطین هو إغلاق إیران الإسلامیة سفارة إسرائیل"، مضیفاً أن "فلسطین رسالة لکل البشر حیث احتضنت کل رسالات السماء".

|

سلامي: أميركا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي يقول إن "الانفجار الكبير في مصنع محركات المضادات الدفاعية والصواريخ حاملة الأقمار الصناعية مؤخرا في "إسرائيل"، أثبت هشاشة النظام الأمني الإسرائيلي".

|

الجعفری یؤکد موقف سوریة الثابت والمبدئی تجاه القضیة الفلسطینیة

بحث نائب وزیر الخارجیة والمغتربین السوری بشار الجعفری مع السفیر أنور عبد الهادی مدیر الدائرة السیاسیة لمنظمة التحریر الفلسطینیة فی دمشق العلاقة بین البلدین وآخر التطورات على الساحتین العربیة والفلسطینیة.

|

هل تشهد الدولة السوریة حرب میاه تشنها ترکیا؟

حرب میاه تطل برأسها فی المنطقة، یشنها الأتراک على الدولة السوریة، حیث اکدت المعلومات انخفاض منسوب تدفق نهر الفرات إلى ٢٠٠ متر مکعب فی الثانیة، ما أدى الى انخفاض قدرة التولید الکهربائی فی "سد الفرات"، وانخفاض مستوى میاه بحیرة الأسد، بعد تشغیل قسد عنفات التولید الکهرومائی فی ...

|

سوریا: المحکمة الدستوریة ستدرس طلبات المرشحین لمنصب الرئیس

المحکمة الدستوریة العلیا فی سوریا تعلن تسلمها من مجلس الشعب صندوق التأییدات الخطیة للمرشحین للانتخابات الرئاسیة، وستدرس طلبات الترشح کافةً وتبتها خلال خمسة أیام.

|