جموع العراقیین الغفیرة فی ساحة التحریر... إنه فصل الخطاب

تظاهر أمس الأحد، 3 کانون الثانی 2021، فی ساحة التحریر ببغداد، عشرات الآلاف من العراقیین فی مظاهرة "الاستشهاد والسیادة" الکبیرة؛ لإحیاء الذکرى الأولى لاستشهاد اللواء "قاسم سلیمانی" قائد قوة القدس بالحرس الثوری الإسلامی و"أبو مهدی المهندس" نائب رئیس هیئة الحشد الشعبی العراقی ورفاقهما. هذا التجمع الکبیر الذی حمل عنوان "الاستشهاد والسیادة"، حضره عدد کبیر من المواطنین العراقیین ومختلف الشرائح لإحیاء ذکرى شهداء المقاومة، ما دفع قیادة شرطة بغداد لاتخاذ إجراءات أمنیة مشددة لضمان سلامة المشارکین، ووضع جمیع وحدات قیادة العملیات تحت إشراف قائد شرطة بغداد اللواء الرکن "ماجد الموسوی" علی أهبة الاستعداد. ومن المعالم البارزة الأخرى فی التجمع الکبیر، کان الازدحام وحرکة المرور غیر المسبوقین على مداخل بغداد، التی استقطبت سیلاً من العشاق والمحبین لإحیاء ذکرى شهداء المقاومة وإدانة جرائم الإرهابیین الأمریکیین. وقد حملت التظاهرات الحاشدة التی شارک فیها عشرات الآلاف من المواطنین العراقیین بمناسبة الذکرى الأولى لاستشهاد قادة المقاومة، رسالةً خاصةً لأصدقاء وأعداء العراق والمقاومة. تخلید اسم اللواء فی قلوب وعقول طالبی الحریة فی العالم اللواء قاسم سلیمانی، الذی اشتهر طوال حیاته بأنه القائد العسکری الأعظم والأکثر احترامًا فی المنطقة، کان یطلق على نفسه دائمًا لقب "الجندی". جندیٌ نذر حیاته للوقوف ضد غطرسة وظلم القوة العظمى، ولم ینس أبداً دعم ومساعدة المظلومین. إن هذا المجاهد العظیم فی سبیل الله، وصف نفسه فی وصیته أیضاً بـ "الجندی"، فترک بذلک درسًا کبیرًا لمحبی المقاومة. إن اسم الشهید سلیمانی الذی هزَّ أعداء الإسلام والمسلمین، وخاصةً الصهاینة والأمریکیین، منذ عقود، کان رجل ساحات المعرکة بشجاعة وبسالة فی الدفاع عن المظلوم. کما کان لواء القلوب رمزاً لقوله تعالی:{مِنَ المُؤمِنینَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیهِ ۖ فَمِنهُم مَن قَضىٰ نَحبَهُ وَمِنهُم مَن یَنتَظِرُ ۖ وَما بَدَّلوا تَبدیلًا}(الأحزاب/۲۳). اعتقد الأمریکیون والصهاینة أن استشهاد اللواء سلیمانی وأبو مهدی المهندس، من شأنه أن یضعف المقاومة فی المنطقة ویفتح لهم الباب فی المنطقة لدفع سیاساتهم الشائنة، إلا أن الحضور الکبیر للمواطنین العراقیین فی ساحة التحریر ببغداد، رغم کل القیود التی فرضها وباء کورونا، أظهر أن هذا العمل الوحشی للإرهابیین الأمریکیین کان له أثر ونتائج عکسیة. والآن، لم یضعف فکر اللواء سلیمانی ، بل حُفر فی قلوب وعقول شعوب المنطقة وکل الساعین إلى الحریة فی العالم، کشهید حی. ربما لم یعد جسم اللواء الشهید قاسم سلیمانی وأبو مهدی المهندس موجدان بین رفاقهما، إلا أن فکرهما وذکرهما حاضران لدی طلاب الحریة أقوى وأکثر حیویةً من ذی قبل. والآن، بعث آلاف العراقیین فی بغداد برسالة إلى جبهة الاستکبار والغطرسة، مفادها أن بوصلتهم الأیدیولوجیة، مثل اللواء سلیمانی، لا تزال متوجِّهةً نحو القضیة الفلسطینیة وإزالة الکیان الصهیونی، والولاء لجبهة الحق والمقاومة، حتى خروج المحتلین من المنطقة. ربما اعتقد الإرهابیون الأمریکیون أنه مع اغتیال لواء المقاومة ستختفی أیدیولوجیة المقاومة، لکن وجود المواطنین العراقیین فی میدان التحریر أظهر أن أیدیولوجیة اللواء سلیمانی قد نفخت الآن فی نفوس طلاب الحریة. کما وأظهر هذا التجمع أنه على الرغم من استشهاد اللواء سلیمانی، فلا یزال أهل هذه المنطقة یشعرون بوجوده بکل کیانهم. والیوم، وُلِد آلاف وآلاف من سلیمانی وهم على درایة عمیقة بأفکار وآراء الحاج قاسم. المحتجون یؤکدون علی البتّ فی ملف اغتیال اللواء سلیمانی الرسالة المهمة الأخرى للاحتجاجات فی التجمع الکبیر فی الذکرى الأولى لاستشهاد اللواء سلیمانی وأبو مهدی المهندس، یمکن تقییمها بأنها التأکید على متابعة ومعاقبة مرتکبی اغتیال قادة المقاومة، من قبل الحکومة العراقیة. فی الواقع، أکد العراقیون دائمًا أن أمریکا تحاول بکل وسیلة ممکنة عرقلة عملیة التحقیق فی قضیة الاغتیال فی العراق، وکذلک تنفیذ القرار الذی أقره البرلمان بطرد القوات الأجنبیة. فی غضون ذلک، عزَّز تأخُّر الحکومة العراقیة وعدم الجدیة فی متابعة ملف اغتیال اللواء قاسم سلیمانی وأبو مهدی المهندس، الشکوک حول احتمال محاولة بعض العناصر الفاسدة فی الحکومة العراقیة، الخاضعة للنفوذ الأمریکی، عرقلة مسار التحقیقات ومعاقبة الجناة. منذ الأیام الأولى للإجراء الأمریکی الشریر، کانت هناک موجة کبیرة من المطالب من المجتمع العراقی للکشف عن التفاصیل ومعاقبة مرتکبی هذا الاغتیال الجبان. وفی آخر طلب، أصدر النائب العراقی "منصور البعیجی" فی الذکرى الأولى لاستشهاد قادة المقاومة، بیانًا دعا فیه الحکومة العراقیة والجهات المسؤولة إلى إعلان نتائج التحقیق فی الهجوم على قادة المقاومة فی مطار بغداد. حالیاً، أظهرت الاحتجاجات الواسعة للمواطنین العراقیین فی ساحة التحریر ببغداد بوضوح، أن المطلب العام للمواطنین العراقیین من الحکومة والمؤسسات القضائیة المسؤولة، هو حل قضیة اغتیال اللواء سلیمانی. وبالتأکید، یجب على سلطات بغداد أن تقبل صراحةً الرسالة التی مفادها، أنه لیس لدیها خیار سوى الاستسلام للإرادة الوطنیة للشعب العراقی. لقد حان الوقت للمسؤولین الحکومیین للإعلان عن التفاصیل والنتائج النهائیة للملف، وسیکون عام 2021 عام انسحاب المحتلین من العراق، وعودة السیادة الوطنیة إلى هذا البلد.