فرض عقوبات على فالح الفیاض... رایة أمریکا البیضاء مقابل الحشد الشعبی

فی خضم موجة کبیرة من الأزمات السیاسیة منذ انتخابات 3 تشرین الثانی، وبالتزامن مع الأیام الأخیرة من رئاسة الرئیس الأمریکی دونالد ترامب "الاستبدادی" و "الدیکتاتور الجدید"، وفی واحدة من آخر الإجراءات غیر القانونیة ضد الحشد الشعبی، وضعت وزارة الخزانة الأمریکیة فالح الفیاض رئیس هیئة الحشد الشعبی على قائمة عقوباتها بذریعة انتهاکات حقوق الإنسان الکاذبة. ویأتی فرض عقوبات على رئیس هیئة الحشد الشعبی فی وقت أکد هو فیه مؤخرا فی ذکرى استشهاد قادة النصر فی محافظة البصرة، أن "خروج القوات الأمریکیة یعطی العراق استقلالا حقیقیا وردنا على اغتیال القائدین الشهیدین هو طرد القوات الأجنبیة ". فی الواقع ، یمکن أن یکون فرض عقوبات على فالح الفیاض هو الخطوة الأخیرة فی معارضة إدارة ترامب لمحور المقاومة. بالطبع، من الضروری الانتباه إلى أن فرض عقوبات على فالح الفیاض لیست بمثابة فرض عقوبات على شخص واحد فحسب، بل هو أیضا تیار أو خط فکری مناهض لواشنطن. إلا أن الإجراء الأخیر للحکومة الأمریکیة قوبل برد فعل قوی من الحکومة والتیارات السیاسیة الداخلیة فی العراق. وبشأن أسباب فرض عقوبات على الفیاض یمکن النظر فی نقطتین مرکزیتین: الموجة الواسعة من الدعم لفیاض أثارت الخطوة غیر المشروعة التی قامت بها الحکومة الأمریکیة بفرض عقوبات على رئیس هیئة الحشد الشعبی ردة فعل قویة من الحکومة والتیارات السیاسیة العراقیة. ففی أول رد فعل، وفی الساعات الأولى بعد إعلان وزارة الخزانة الأمریکیة فرض عقوبات على الفیاض ، نشرت مدیریة الإعلام فی هیئة الحشد الشعبی العراقی تغریدة وقالت: "نبارک لصدیق الشهداء رئیس هیئة الحشد الشعبی الأستاذ فالح الفیاض انضمامه مع الشرفاء الذین تعتبرهم الإدارة الامریکیة أعداء". لکن على المستوى الأکثر أهمیة، رفضت حکومة الکاظمی بشدة معاقبة وزارة الخزانة الأمریکیة لشخصیة سیاسیة لدیها منصب رسمی فی الحکومة العراقیة. اذ قال مستشار الأمن القومی العراقی قاسم الأعرجی على حسابه على تویتر یوم (السبت) “ندعو الخزانة الأمریکیة، إلى تصحیح خطئها بقرار فرض عقوبات على شخصیة عراقیة حکومیة، لیس من الصحیح أن تکون ضمن قوائم العقوبات”. کما عبرت وزارة الخارجیة العراقیة عن استغرابها من تلک العقوبات، وقالت فی بیان "تعرِب وزارة الخارجیة عن استغرابها من القرار الصادر عن الخزانة الأمریکیة بحق رئیس هیئة الحشد الشعبی فالح الفیاض"، مضیفة "إذ نؤکد أن القرار مثل مفاجأة غیر مقبولة". وأوضحت الوزارة أنها "ستتابع بعنایة مع الإدارة الحالیة والجدیدة فی واشنطن جمیع القرارات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمریکیة بحق أسماء عراقیة، والعمل على معالجة تبعات ذلک".  وفی رد فعل آخر، قال القیادی فی حرکة النجباء هاشم الموسوی فی هذا الصدد: ان استهداف الفیاض مشروع أمریکی فاشل بعد عجزهم عن حل الحشد والتآمر علیه. کما اعتبر النائب عن تحالف الفتح فاضل جابر، ادراج رئیس هیئة الحشد الشعبی فالح الفیاض ضمن قائمة العقوبات الامریکیة بانه جزء من المسلسل الأمریکی لاستهداف الحشد الشعبی المقدس . کما انتقد جابر الصمت الحکومی ازاء هذا الاستهداف وقال ان "عدم الرد المباشر وصدور موقف حکومی بالدفاع عن رئیس هیئة الحشد الشعبی فالح الفیاض وخاصة انه مسؤول حکومی بارز إزاء ادراجه ضمن قائمة عقوبات الخزانة الامریکیة فیه الف علامة استفهام"، واصفا "ذلک الصمت بـ المقلق". وأضاف ان ” ادراج رئیس هیئة الحشد الشعبی المجاهد فالح الفیاض هو جزء من عملیة الاستهدافات المستمرة على الحشد الشعبی المقدس”. إضافة إلى الفصائل والشخصیات السیاسیة، علق علی التمیمی الخبیر القانونی العراقی البارز على العقوبات الأمریکیة ضد رئیس هیئة الحشد الشعبی، وقال، ان "فرض عقوبات امریکیة على شخصیات عراقیة بموجب قانون ماغنی تسکی الأمریکی یصطدم بمواد میثاق الأمم المتحدة ١ و ٢ و٣ التی تؤکد على سیادة الدول وتمنع التدخل فیها". واضاف ان "واشنطن بفرضها العقوبات على الفیاض فهذا یعنی أنها ستمنعه من السفر ولن تعطیه الفیزا وستجمد امواله اذا کانت له أموال فی البنوک الأمریکیة". إن جمیع ردود الفعل هذه تظهر أن العراق حکومة وشعبا متحدون أکثر من أی وقت مضى فی دعم وشکر الدور الخاص للحشد الشعبی فی الدفاع عن سیادة وسلامة أراضی البلاد. والحقیقة أن الجمیع قد قبل أن الحشد الشعبی کجنود ومدافعین عن الوطن هم جزء لا یتجزأ من سیادة العراق وبنیته السیاسیة. فک شیفرة أسباب معاقبة فالح الفیاض یمکن تقییم فرض عقوبات على رئیس هیئة الحشد الشعبی کحدث مهم یحوی عدة رسائل رئیسیة: اعتراف أمریکا بالهزیمة امام المقاومة: بعد صدور قرار اخراج القوات الأمریکیة من العراق فی 5 کانون الثانی 2020 ، کانت القوة السیاسیة الأهم التی أکدت بجدیة على ضرورة تنفیذ قرار مجلس النواب وطرد القوات الأمریکیة هی الحشد الشعبی. وفی هذا الصدد ، إن الحشد ومن اجل اظهار أنه لم ترهبه أمریکا باغتیال الشهید أبو مهندس وبعض قادة هذه المجموعة الآخرین وأنه لن یخلی الساحة. فإضافة إلى الملاحقة السیاسیة لقضیة الاخراج من ساحة المعرکة، کثف هجماته على قواعد وأرتال قوات الاحتلال الأمریکیة، ما سلب قادة البیت الأبیض فرصة تنفس الصعداء فی العراق. حیث باتت واشنطن یائسة من کیفیة التعامل مع الوضع واضطرت إلى التراجع وإخلاء بعض قواعدها ونقلها إلى المناطق الشمالیة التی یسیطر علیها الأکراد. وخلال هذه الفترة، کانت واشنطن تأمل أن تتمکن من خلال النفوذ الذی تتمتع فیه فی مختلف أقسام الحکومة، منع متابعة ملف اغتیال الحاج قاسم وأبو مهدی المهندس وکذلک متابعة قرار البرلمان. لکن فرض عقوبات على رئیس هیئة الحشد الشعبی، التی تهدف إلى ترهیب المسؤولین والشخصیات العراقیة الأخرى لمنع متابعة قرار مجلس النواب ، تُظهر أن جهود واشنطن من خلال العناصر الداخلیة وصلت إلى طریق مسدود وأن البیت الأبیض دخل الساحة بشکل مباشر. ومن ناحیة أخرى، تظهر العقوبات الأخیرة عجز واشنطن عن إیجاد خیار عسکری لمواجهة الحشد، الذی استهدف فی الأیام الأخیرة قوافل قوات الاحتلال الأمریکیة الواحدة تلو الأخرى. البیت الأبیض تلقى رسالة أن المواجهة العسکریة مع الحشد سیکون لها عواقب وخیمة. إضعاف الحشد الشعبی واستمرار استراتیجیة زعزعة الاستقرار فی العراق لإحیاء الجماعات الإرهابیة: على صعید آخر، یمکن القول إن فرض عقوبات على فالح الفیاض تهدف إلى خلق انقسامات بین قوى هذه المؤسسة. فخلال العام الماضی، استخدمت واشنطن کل الوسائل المتاحة من اجل ایجاد مواجهة بین هذه المؤسسة والمرجعیة العلیا فی العراق، لکن استراتیجیة هذا البلد فشلت دائما. ینوی الأمریکیون من خلال فرض عقوبات على الفیاض تمهید الارضیة لاستمرار عدم الاستقرار وإحیاء الجماعات الإرهابیة فی العراق من أجل الحفاظ على وجودهم العسکری فی العراق. ومن الأمثلة الواضحة على ذلک تصاعد حرکات داعش فی منطقة "البادیة السوریة" فی الأیام الأخیرة والتهدیدات المتکررة لفلول هذه المجموعة الإرهابیة.