تحرکات دبلوماسیة لافتة لابن سلمان تهدف اظهار نفسه شریکا ثمینا لبایدن
عاد ولی العهد السعودی الأمیر محمد بن سلمان إلى صدارة المسرح السیاسی بعد شهور ظل فیها بعیدا عن الأضواء، من خلال تحرکات دبلوماسیة واقتصادیة لافتة هدفها أن یُظهر للرئیس الأمریکی الجدید أنه شریک ثمین یمکن الاعتماد علیه فی إنجاز المهام.
ففی غضون بضعة أسابیع أعلنت المملکة اتفاقا عربیا للمصالحة مع قطر وتخفیضات طوعیة فی إنتاج النفط الخام السعودی للمساهمة فی تحقیق استقرار الأسواق بالإضافة إلى إعطاء زخم جدید لخطة ترمی لتنویع الموارد الاقتصادیة کانت قد تعثرت بسبب جدل سیاسی وهبوط أسعار النفط وجائحة کوفید-19.
وقال ثلاثة دبلوماسیین أجانب إن الأمیر الشاب الذی یتصف بجرأة بالغة یتحرک، سواء خلف الکوالیس أو على الملأ فی رئاسة قمة خلیجیة للمرة الأولى، لتقدیم نفسه فی صورة رجل الدولة الذی یعول علیه وإرساء نبرة عملیة فی التعامل مع إدارة بایدن المقبلة الأقل مجاملة.
وکانت الصورة التی ظهر بها الأمیر محمد فی البدایة کمصلح جریء قد تضررت جراء مقتل الصحفی جمال خاشقجی الکاتب بصحیفة واشنطن بوست فی 2018 على أیدی عملاء سعودیین بدا أنهم مقربون من الأمیر وبفعل خطوات لسحق المعارضة وتهمیش خصومه فی العائلة الحاکمة.
وینفی الأمیر أنه أصدر أمرا بقتل خاشقجی ویقول فی الوقت نفسه إنه یتحمل المسؤولیة النهائیة لأن الجریمة وقعت وهو فی موقع السلطة.
وقال دبلوماسی غربی فی المنطقة إن ولی العهد، الحاکم الفعلی للمملکة، یدرک أن “عهدا جدیدا بدأ” دون الحاجز الواقی الذی وفره له الرئیس دونالد ترامب وأن الریاض بحاجة لتقدیم بعض التنازلات فی القضایا الخلافیة مثل حقوق الإنسان من أجل الترکیز على أولویات إقلیمیة مثل الاتفاق النووی الإیرانی.
وقال الدبلوماسی “هم (السعودیون) لا یریدون إعادة اتفاق 2015 إلى المائدة”، مضیفا أن اللفتات الإیجابیة الأخیرة من جانب الریاض “ترتبط کلها بالتغییر الحاصل فی واشنطن” بطریقة أو بأخرى.
وتابع أن من هذه التحرکات أحکاما أصدرتها فی الآونة الأخیرة محاکم سعودیة على ناشطة حقوقیة بارزة وعلى طبیب أمریکی من أصل سعودی، وقد أظهرت قرارات الإدانة أن الریاض لن تطیق أی معارضة وفی الوقت نفسه کانت أحکام السجن المخففة بمثابة لفتة موجهة إلى واشنطن.
وکان الرئیس المنتخب جو بایدن، الذی تشیر التوقعات إلى أنه سیستأنف التواصل مع إیران، قد قال إنه سینهج نهجا أشد صرامة فیما یتعلق بسجل السعودیة فی حقوق الإنسان وحرب الیمن المدمرة.
وقال شادی حمید من مؤسسة بروکنجز فی واشنطن “بالنسبة للسعودیین، المتغیرات واضحة. فعلیهم أن یتکیفوا مع عالم جدید… ویقدموا أنفسهم بصورة أکثر إیجابیة قبل تولی بایدن السلطة”.
قواعد اللعبة
قال دبلوماسی أجنبی آخر إن “توتر” الریاض بسبب سیاسة بایدن حیال إیران أحد الأسباب التی دفعتها للضغط على إدارة ترامب لإدراج جماعة انصار الله الیمنیة.
وقال الدبلوماسی إن الأمیر محمد حریص على “فرض بعض قواعد اللعبة” فیما یتعلق بإیران والیمن فی الوقت الذی یقدم فیه السعودیة أیضا “کعضو بارز فی المجتمع والاقتصاد الدولیین” یجب الدفاع عنه.
وکان مسؤولون فی الأمم المتحدة حذروا من أن توصیف جماعة انصار الله منظمة إرهابیة أجنبیة قد یدفع بالیمن إلى مجاعة واسعة النطاق وحثوا إدارة بایدن على إلغاء القرار الذی یصبح ساری المفعول الیوم الثلاثاء.
وقد عملت السعودیة وحلفاؤها من الدول الخلیجیة، على تأیید حملة الضغوط القصوى التی شنها ترامب على طهران .
وفی 2019 اهتزت السعودیة بفعل هجوم بالصواریخ والطائرات المسیرة على منشآتها النفطیة. وعزز ترامب الدعم الدفاعی للمملکة التی تعد من أبرز مشتری السلاح الأمریکی.
تودد
یعد الأمن اعتبارا رئیسیا لدى قادة الدول الخلیجیة الآخرین الذین یستعدون أیضا لرئاسة بایدن بتصویر أنفسهم فی صورة قوة معتدلة فی منطقة مضطربة ویتحوطون للتطورات.
وأبرمت الإمارات، اتفاقا بوساطة أمریکیة لإقامة علاقات مع "إسرائیل" فتحت الباب أمام أبوظبی للحصول على أسلحة أمریکیة جدیدة وتآلف مع الحزبین الرئیسیین فی الولایات المتحدة. واقتدت البحرین بها.
ورغم أن الخلافات بین الإمارات وقطر عمیقة فقد شارکت فی مسعى أمریکی سعودی لإنهاء خلاف قائم منذ ثلاث سنوات وأعادت العلاقات مع الدوحة والتی قطعت بسبب قضایا من بینها علاقات قطر مع إیران وترکیا ودعمها لجماعة الإخوان المسلمین.
وفی الآونة الأخیرة قال وزیر الخارجیة القطری إن الوقت مناسب لإجراء محادثات مع إیران وإن الدوحة قد تساهم فی ترتیب هذه المباحثات.
شواغل
قال دبلوماسی رابع إن السعودیة ترید أیضا تعویض ما فاتها من وقت وما ضاع علیها من إیرادات بعد أن أحبط انتشار فیروس کورونا فی 2020 خططا لترکیز الاهتمام من جدید على حملة التنویع الاقتصادی الطموح التی بدأها الأمیر محمد وذلک بعد ما أصاب بعض المستثمرین الأجانب من فزع إثر مقتل خاشقجی وحملة تطهیر الفساد التی اکتنفتها السریة.
وفی حدث نادر ظهر الأمیر محمد على شاشة التلفزیون یوم 13 ینایر کانون الثانی الجاری للکشف عن مدینة جدیدة لا تصدر عنها أی انبعاثات کربونیة فی أول مشروع إنشائی کبیر فی منطقة نیوم التی تبلغ استثماراتها 500 ملیار دولار والتی لم تشهد أی تقدم یذکر منذ إعلانها وسط ضجة کبرى فی 2017.
وبعد بضعة أیام ظهر ولی العهد وحده فی مخیمه الخاص فی الصحراء وهو یعلن عن فرص استثماریة بما قیمته ستة تریلیونات دولار فی خطاب عبر الإنترنت ألقاه فی المنتدى الاقتصادی العالمی.
وقالت کریستین سمیث دیوان کبیرة الباحثین المقیمین فی معهد دول الخلیج (الفارسی) فی واشنطن “السعودیة تواجه تحدیا هائلا فی تغییر شکل اقتصادها والطریق بعد کوفید-19 محفوف بمخاطر أکبر کثیرا. وهی تحتاج للمال والشرکاء وتحتاج للتواصل العالمی”.
