هل قررت واشنطن طیّ صفحة النزاع اللیبی؟

تتحکم الإدارة الأمریکیة فی العدید من الملفات الساخنة فی المنطقة. وهی تُحرّک الصراعات الدائرة هنا وهناک وفقًا لمصالحها وأهوائها ومعادلات القوة. ویبدو أن من مصلحة الأمریکیین الیوم اغلاق صفحة الصراع اللیبی - الدولی بکل تداعیاته ومآسیه. اذ یتوقع مراقبون أن تبدأ مرحلة جدیدة فی لیبیا قوامها الاقتصاد والتنمیة وإعادة الاعمار، وستدخل شرکات أجنبیة کبرى على خط الأحداث، من بینها شرکات أمریکیة ستکون لها حصة الأسد فی أیة عقود قادمة للإعمار، طالما أن واشنطن هی من تحرک اللعبة السیاسیة وهی من تقود وتدیر من خلف الستار مباحثات تشکیل حکومة الوحدة اللیبیة القادمة.

دور متصاعد للدبلوماسیة الأمریکیة فی الحقیقة، هناک عدة مؤشرات تؤکد أن هذا الخیار الأمریکی هو قاب قوسین أو أدنى من التنفیذ على أرض الواقع، خاصة بعد اصدار ما سمی "بقانون استقرار لیبیا" فی الکونغرس الأمریکی والذی یزعم أنه یهدف الى فرض عقوبات على "الجهات الخارجیة التی تتدخل فی الشأن اللیبی" وتعرقل التوصل إلى تسویة، علما أن هذه المواصفات تنطبق على الأمیرکیین قبل غیرهم. وجاء ذلک بالتزامن مع عودة مسار التفاوض الأممی الى دائرة الضوء من جدید سواء الحوار اللیبی - اللیبی الذی احتضنته تونس أو المملکة المغربیة أو المانیا وغیرها وتمّ التوصل من خلاله الى خریطة طریق مبدئیة لإنهاء الفترة الانتقالیة وتنظیم انتخابات رئاسیة وبرلمانیة شاملة. ومن المتوقع أن تلعب الولایات المتحدة دورًا دبلوماسیًا أکبر من خلال هذا القانون فی النزاع اللیبی. علما أن الإدارة الأمریکیة کانت قد لعبت طوال الفترة الماضیة دورًا جلیًا فی دعم حکومة الوفاق اللیبیة المقربة من ترکیا. ویؤکد مراقبون أن قیام أنقرة بنقل آلاف المقاتلین والإرهابیین من سوریا الى لیبیا لدعم حکومة الوفاق، لا یمکن أن یتمّ دون ضوء أخضر أمریکی. ولکن السؤال المطروح هل ستشهد الدبلوماسیة الأمریکیة فی عهد جو بادین تغییرًا فی الملف اللیبی؟ وهل ستنتهی بالفعل صفحة النزاع الدولی؟   یبدو أن هناک العدید من الافرقاء اللیبیین الفاعلین الذین لمسوا هذا التغیر الأمریکی، لذلک حاولوا الاستفادة من القانون الأمریکی من أجل تهیئة الأجواء للخروج بحل سیاسی شامل، وذلک رغم المآخذ علیه ورغم ما یمکن أن یترتب عن ذلک من مسّ بسیادة أیة حکومة لیبیة قادمة، طالما أن أمریکا ستکون هی التی ترعاها وتحکمها من بعید، لضمان التحکم بمقدرات الشعب اللیبی والسیطرة على ثرواته النفطیة الهائلة. فسیاسات الولایات المتحدة لم تکن یومًا ذات منفعة لشعوب المنطقة بل جلبت الویلات تحت شعار "الدیمقراطیة الأمریکیة". فی هذا السیاق یؤکد المحلل السیاسی اللیبی محمد شوبار الناطق باسم المبادرة الوطنیة اللیبیة أن هناک شخصیات سیاسیة لیبیة مشارکة فی الحوار اللیبی - اللیبی قد توصلت الى ما یشبه الاتفاق المبدئی على کیفیة إدارة المرحلة القادمة، مشیرا فی حدیثه لـ "العهد" الى "أننا الیوم فی المرحلة الأخیرة للإعلان عن الحل الدائم والشامل للأزمة السیاسیة فی لیبیا ونحن مقبلون على مرحلة اقتصادیة هامة".  أما بشأن حکومة الوحدة الوطنیة والأسماء المرشحة فیجیب: "نحن فی مبادرة القوى الوطنیة لا نبحث عن أسماء بقدر ما نبحث عن مشروع اقتصادی یحقق الاستقرار والأمن ویحقق الانطلاقة نحو إدارة عجلة التنمیة التی تعتبر فرصة هامة لأغلب الشعوب المغاربیة"، موضحا أن حکومة الوحدة الوطنیة ستکون مصغرة وتکنوقراط وفقا للمقترح الذی قدمته مبادرة القوى الوطنیة اللیبیة. ویأسف شوبار لأن "هناک بعض القیادات السیاسیة التی لا ترید الخروج من المشهد السیاسی"، معتبرا أن "هذه القیادات السیاسیة التی تسببت بکل هذا الدمار والخراب - من خلال دخول المرتزقة والمقالتین الأجانب - لن یکون لها دور فیما یتعلق بالمرحلة السیاسیة القادمة والتی ستشهد وجوها سیاسیة تعبر عن القوى الوطنیة اللیبیة". ویلفت الى أن هناک العدید من الشخصیات الوطنیة القادرة على الخروج بلیبیا من کل هذه المنزلقات والمخاطر التی تتعلق بالصراعات المسلحة وکذلک شبح التقسیم، وستکون والمرحلة القادمة مستقرة وستصبح من خلالها  لیبیا وجهة عالمیة لکل الشرکات والدول التی ترغب فی إعادة اعمار البلاد من جدید" . حکومة تکنوقراط ..أی حظوظ للنجاح؟ أما بشأن مدى نجاح حکومة الوحدة الوطنیة القادمة، فیوضح شوبار أن "هناک اجماعًا دولیًا حول هذه المسألة، اضافة الى أن هذه الحکومة لن تکون حکومة محاصصة بل حکومة تکنوقراط الهدف الرئیسی منها هو جمع السلاح واسترداد الأموال المسروقة وتطبیق وقف التدخل الأجنبی وخروج کافة المواطنین الأجانب المتواجدین على الأرض اللیبیة سواء فی شرق البلاد أو غربها أو جنوبها. هذه الحکومة هدفها الرئیسی استرجاع سیادة الدولة اللیبیة والمحافظة على وحدة التراب اللیبی". ویبدو، بحسب شوبار، أن هناک اجماعًا دولیًا على اغلاق صفحة الصراع الدولی فی لیبیا، فکل الأزمات التی حدثت طیلة السنوات الماضیة السبب الرئیسی فیها کان التدخلات الخارجیة، مؤکدًا أنه بعد جلسة مجلس الأمن الأخیرة التی انعقدت فی 18 آب / أغسطس الماضی بات هناک  اجماع دولی جلیّ ما بین الدول الدائمة العضویة فی مجلس الأمن حول مسألة وقف حالة الصراع بین هذه الدول التی تدخلت فی الشأن الداخلی فی لیبیا والتی قدرّها خبراء الأمم المتحدة بـ 13 دولة کلها أیدت هذه المسألة أی تحقیق الاستقرار فی لیبیا، ویتطلع اللیبیون الیوم الى الإعلان القریب عن الحل الدائم وحکومة الوحدة الوطنیة والتی تأمل أطیاف واسعة داخل لیبیا وخارجها بان تکون حکومة قویة قادرة على اخراج البلاد من محنتها وعلى الدخول فی مرحلة إعادة الإعمار ولکن بمبدأ الشراکة والندّیة مع الدول والشرکات الأجنبیة التی تمثلها ولیس بمنطق التبعیة والاحتلال الخفی.




محتوى ذات صلة

البابا فرنسیس یدعو لوضع حد لقرقعة السلاح فی سوریا والیمن ولیبیا

البابا فرنسیس یدعو إلى عدم فقد الأمل خلال أزمة فیروس کورونا ، وإلى وضع حد لأعمال العنف فی سوریا والیمن ولیبیا.

|

تقریر أممی یفجر فضیحة ویکشف عن رشى فی محادثات السلام اللیبیة

کشف خبراء من الأمم المتحدة فی تقریر رفع إلى مجلس الأمن أنه تم شراء أصوات ثلاثة مشارکین على الأقل فی محادثات السلام اللیبیة التی ترعاها الهیئة الدولیة.

|

كيف أستطاع الاقتصاد الايراني يهزم الحصار و العقوبات

إذا أردنا أن نجري تقييماً لأي اقتصاد في العالم، من المفيد أن نبحث في النموذج الإقتصادي المعتمد. خبرنا في لبنان وعلى مدى عقود النموذج الريعي الإستهلاكي. الأخير يكاد يكون علّة العلل في كل ما يحدث على الساحة المالية والإقتصادية.

|

الریاض أمام خیارین.. دعم داعش أو أدامة الحرب

تحاول الإدارة الامریکیة، أن تحسن صورتها الجدیدة وتلقی باللوم الکبیر على الإدارة الأمریکیة الترامبیة السابقة، علماً أن الإدارة الأمریکیة الحالیة، هی من أعلنت الحرب على الیمن، أیام أوباما وکان الرئیس جو بایدن نائباً للرئیس آنذاک.

|

الکیان العدو یعبث بأولویات إدارة بایدن فی المنطقة

بدأ الکیان الإسرائیلی بالبحث عن خطط یحفظ من خلالها مصالحه الشرق الأوسط بعد توجه الإدارة الأمریکیة إلى إعادة فتح قنوات التفاوض مع إیران والعودة إلى الاتفاق النووی، وغیرها من التحرکات التی تتعارض مع مصالح "إسرائیل" فی المنطقة عموماً وفی سوریا خصوصاً.

|