اللبنانیون بین مطرقة الأزمة الاقتصادیّة وسندان کورونا.. إلى متى یستمر العجز الحکومیّ؟

مع استمرار حظر التجول فی لبنان بسبب الإجراءات الاحترازیّة فی ظل انتشار فیروس کورونا المستجد، عادت الاحتجاجات الشعبیّة إلى الشارع اللبنانیّ، اعتراضاً على تمدید قرار الإغلاق العام الذی أعلنته الحکومة حتى 8 شباط القادم، ورغم وعود الحکومة بتعویض العاملین المیاومین ودعم العائلات الأکثر فقراً بمخصصات مالیّة، شهدت 3 مدن رئیسة تحرکات احتجاجیّة رفضا للتدهور الاقتصادیّ والمعیشیّ فی لبنان. غضب شعبیّ بسبب الغضب الشعبیّ العارم إزاء الأوضاع المعیشیّة الصعبة فی ظل الإغلاق، انطلقت الاحتجاجات الشعبیّة الأکبر فی مدینة طرابلس شمالی البلاد، قبل أن تمتد إلى معظم المناطق اللبنانیّة، بدءاً من صیدا جنوبا التی أقدم المحتجون فیها على إغلاق دوار "إیلیا" وسط المدینة تضامناً مع طرابلس واحتجاجاً على ما وصفوها "سیاسات التجویع" الحکومیّة، ولیس انتهاء بالعاصمة بیروت، حیث خرج عدد من المتظاهرین بمظاهرة وسط المدینة، رفعوا خلالها شعارات تُحمّل الطبقة السیاسیّة مسؤولیة الانهیار الاقتصادیّ. وفی هذا الصدد، شهدت مناطق لبنانیّة کثیرة قطعاً للطرق الرئیسة، بینها شتورة وتعلبایا، وسعدنایل والمرج فی منطقة البقاع، وطریق المنیة الدولیّ شمالاً، وفی منطقة الجیة، وبرجا، على الأوتوستراد الساحلیّ جنوباً، فیما قطع محتجون جسر الرینغ وطریق الصیفی فی بیروت، إضافة إلى ذلک شهدت الاحتجاجات قطع طرقات فی منطقة کورنیش المزرعة وعلى جسر سلیم سلام والدورة، احتجاجاً على الأوضاع المعیشیّة الصعبة وتضامناً مع مدینة طرابلس والموقوفین فیها، وأقدم المتظاهرون اللبنانیون على قطع طریق "جسر الرینغ" الحیویّ فی العاصمة لنحو نصف ساعة، قبل أن یعاد فتحه وسط حضور مکثف لعناصر قوى الأمن الداخلی، ولم تسفر الاحتجاجات الغاضبة عن وقوع أیّ مواجهات حادة، لکن الشرطة استخدمت قنابل الغاز المسیل للدموع، فی حین قام بعض المحتجین برشقهم بالحجارة. ومنذ أیام على إعلان الحکومة اللبنانیّة تمدید الإغلاق الکامل، ضمن تدابیر مواجهة کورونا، والتی تتضمن إغلاق المؤسسات والمحلات التجاریّة، ضج الشارع اللبنانیّ الذی یعیش أزمة اقتصادیّة خانقة، وقام محتجون برشق مکثف للحجارة على مبنى سرایا طرابلس الحکومیّ، احتجاجاً على الإقفال العام ومحاضر الضبط التی تنظم بحق المخالفین، والأزمة الاقتصادیّة الخانقة ما أدى إلى تضرر عدد من السیارات. یشار إلى أنّ أزمة فیروس کورونا زادت طین الأزمة الاقتصادیّة بلة فی البلاد، التی یمر بأسوأ أزمة اقتصادیة منذ انتهاء الحرب الأهلیّة بین عامی 1975 و 1990، ما أفرز تراجعاً غیر مسبوق فی قیمة اللیرة اللبنانیّة مقابل الدولار ودمر قدرتها الشرائیّة، فی ظل الوضع الاقتصادیّ المأساویّ الذی یعیشه معظم المواطنین اللبنانیین. قرار حکومیّ جاء القرار الحکومیّ اللبنانیّ، للتخفیف من آثار فیروس کورونا، لکنه انعکس سلباً على هذا الموضوع، الذی فجر التحرکات الشعبیّة للبنانیین الذین یعیشون التزاماً لا بأس به من ناحیة الإغلاق العام المفروض من قبل السلطات، بسبب الانتشار الکثیف لکورونا وبلوغ القدرة الاستیعابیّة للمستشفیات حدها الأقصى، وإنّ الاحتجاجات خرجت من طرابلس مدینة التجار والمیاومین، التی تعتبر من أکثر مدن لبنان فقراً، وفق مواقع إخباریّة. وأقدم المحتجون الغاضبون بقطع طرق رئیسیة فی عاصمة الشمال بالإطارات المشتعلة والعوائق، فی حین جابت المظاهرات أحیاء عدة من المدینة بینها القبة وساحة عبد الحمید کرامی، مطلقة شعارات تندد بالإقفال العام والسیاسات الحکومیّة التی لم تعوض علیهم أو تقدم لهم أیّ مساعدات خلال الأیام والأشهر الماضیّة التی شهدت إغلاقاً عاماً. وفی هذا الخصوص، استقدم الجیش والقوى الأمنیّة اللبنانیّة، تعزیزات إضافیة، وقد تعرض عدد من المحتجین للاعتقال فی حین تم تفریق الباقین بالقوة، الأمر الذی رفع من حدة التوتر فی طرابلس، حیث استمرت التظاهرات حتى ساعات متأخرة بعدما أعلن المحتجون بقاءهم فی الشارع إلى حین النظر فی أوضاعهم الاقتصادیّة المزریة. من ناحیة أخرى، أعلن الصلیب الأحمر اللبنانیّ، أنّ 6 فرق إسعافیّة قامت بمهمة إسعاف الجرحى فی ساحة النور وعمدت إلى نقل 12 منهم لمستشفیات المنطقة إضافة إلى إسعاف 29 حالة فی موقع الاحتجاجات، فیما أشارت الوکالة الوطنیّة للإعلام إلى سقوط عدد من الجرحى فی صفوف القوى الأمنیّة من حرس السرایا وقوات مکافحة الشغب. وتأتی تلک التطورات، بعد 10 أیام من الإقفال التام سجل خلاله الأهالی التزاماً بالقوانین، وانتظروا على أساسه تعویضات وعدت بها الحکومة اللبنانیّة للعائلات الأکثر فقراً لکنها لم تنفذ على أرض الواقع، وهذا ما جعل الأمور تتجه إلى التصعید، إضافة إلى أنّ الحالة المعیشیّة وصلت إلى وضع مأساویّ غیر قابل للتحمل بالنسبة للمواطنین بمختلف مجالاتهم وخاصة أصحاب المحال التجاریّة أو بسطات بیع الألبسة أو سائقین عمومیین أو أصحاب الأفران وغیرهم، إضافة إلى عدد هائل من الشبان العاطلین عن العمل. ویؤکّد المحتجون أنّ الدولة کانت على علم مُسبق بالظرف الشعبیّ فی المدینة خلال الأیام الماضیة، وهددوا السلطات بخرق الإقفال العام وقوانین حظر التجول، کما صدرت تقاریر أمنیّة متعلقة بالمزاج السائد هناک، ومع ذلک لم یتحرک أحد لضبط الوضع أو تهدئة الناس عبر إرشادهم لحقوقهم أو تعویضهم علیها، بل آثر المسؤولون على الصمت المعتاد تجاه المدینة وأهلها إلى أن انفلت الشارع، بحسب مصادر إعلامیّة. ختاماً، لا یبدو أنّ الأمور فی لبنان متجهة نحو الأفضل، زخاصة فی ظل الأزمة الاقتصادیّة الخانقة وانتشار کورونا، ما یعنی مزیداً من التصعید والتظاهرات فی الشارع اللبنانیّ الذی یعیش الأمرین نتیجة لذلک، فی ظل شلل حکومیّ عن انقاذ لبنان من المشکلات الاقتصادیّة الکبیرة وعجز المسؤولین عن مساعدة الشعب الذی لم یعد یهمه انتشار الفیروس ومخاطره أکثر من کونهم یموتون جوعاً، وبرأیهم فإنّ هذا المرض لن یکون أسوأ من معاناتهم بسبب الإهمال الرسمیّ، والتدخلات الأجنبیّة، وخاصة السعودیة منها، حیث إنّ الریاض تشکل حجر الزاویة فی فشل تشکیل الحکومة اللبنانیّة.