هل حقاً الولایات المتحدة ترید الخیر للسوریین؟

ما یقارب العشر سنوات والأزمة السوریة مستعرة ولم تهدأ نارها یوما واحداً. أسباب کثیرة تقف خلف استمرار العنف هناک، وفی کل مرة یعتقد السوریین أن الأمور تتجه نحو التهدئة والأمان یجدون أنها أبعد ما تکون عن ذلک، من یقف خلف کل هذه الفوضى؟. الولایات المتحدة الأمریکیة تحاول دائما أن تقدم نفسها على أنها ترید حمایة السوریین والدفاع عنهم، ولکی تثبت ذلک مدّدت یوم الجمعة العمل بإجراء مؤقّت یسمح لآلاف السوریین الذین تشهد بلادهم حرباً، بأن یبقوا على الأراضی الأمیرکیة رغم انتهاء تأشیراتهم. و"حالة الحمایة المؤقّتة" (تی. بی. إس) التی مدّدها القائم بأعمال وزیر الأمن الداخلی دیفید بیکوسکی تسمح لنحو 6700 سوری، کانوا سیُضطرّون إلى المغادرة، بأن یبقوا فی الولایات المتحدة حتى سبتمبر 2022. یذکر أن هذه الحمایة کانت ستنتهی فی 31 مارس المقبل. کما سمحت الولایات المتحدة لـ1800 سوری إضافی بأن یُقدّموا طلبات للحصول على هذه الوضعیة. بهذه الصورة قدمت الولایات المتحدة الامریکیة للعالم أنها تخاف على السوریین وترید حمایتهم من براثن الحرب. نحن هنا نتکلم عن قرابة الـ 7000 سوری على الاراضی الامریکیة، ولکن ماذا عن ملایین السوریین الذین یعانون الأمرین بسبب التواجد الامریکی على الاراضی السوریة؟. فی الفترة التی بدأ الرئیس الامریکی الجدید جو بایدن ولایته الجدیدة، بدأت الفوضى تعود إلى سوریا تدریجیا من خلال اعادة تفعیل التنظیمات الارهابیة وعل رأسها "داعش" التی عادت لتهاجم المواطنین وقوافل الجیش السوری، وهذا ما هو إلا غیض من فیض، فالقادم سیثبت للعالم ماذا یعنی قدوم بایدن للحکم، فجمیع من هو متفائل بإدارة بایدن نقول له ستکون أسوء دورة أمریکیة على الاطلاق، فالولایات المتحدة الامریکیة بجمیع اداراتها الدیمقراطیة والجمهوریة لم تجلب لهذه المنطقة سوى الدمار والخراب والفوضى، وکل ما تحاول تقدیمه على انه لحمایة المدنیین هو نفاق فذر. لو کانت الولایات المتحدة الامریکیة ترید الخیر للسوریین، لما کانت تواجدت اساسا على الاراضی السوریة بدون رغبة الحکومة السوریة، فهذا تعدی على السیادة، ولو کانت ترید الخیر لما کانت تعمل على تقسیم سوریا ودعم "قسد" و"داعش" من اجل التمهید لتقسیم سوریا، وحالیا جمیع المؤشرات تؤکد استمرار سیاسة أسلافه دونالد ترامب وباراک أوباما، أو ربما الانتقال إلى سیاسة أکثر عدائیّة. ومن الواضح من خلال تحرکات "قسد" و"داعش" الأخیرة، أن هناک محاولة لتسخین وتوتیر الأوضاع فی سوریا، ومن یمسک بالملف الأمیرکی فی شرق سوریا، هو من یحرص على التسریع والتسعیر فی خلط بعض الأوراق فی المنطقة، قبل أن یعلن بایدن سیاسته الواضحة فی سوریا. لذلک نشهد مؤخراً نشاطاً کبیراً فی سوریا، أولاً من خلال استقدام مسلحی داعش من سجون "قسد" فی الشمال إلى قاعدة "التل"، وهناک رصد تحرکات هذه الخلایا التی هاجمت عناصر وحافلات للجیش السوری أکثر من مرة منذ نهایة العام 2020 وحتى الیوم. بالإضافة إلى ما تفعله "قسد" فی الحسکة وقامشلی، وکیف حاصرت مناطق تواجد الدولة والجیش السوری، ولا تزال تضرب هذا الحصار منذ أکثر من 10 أیام، من دون أن تسمح بدخول المواد الغذائیّة والأدویة والمساعدات الانسانیّة. هذه التحرکات، هی ما تبنی علیه واشنطن فی محاولة لخلط جمیع الأوراق، بمواجهة الجیشین السوری والروسی فی المنطقة. بایدن یرید القول بهذه الطریقة أنه یرید فعل شیء ما وإحداث تغییر فی سوریا، وبنى سیاسته منذ البدایة على أساس التناقض مع ادارة ترامب السابقة، التی یتهمها بأنها أفقدت الولایات المتحدة نفوذها فی سوریا. ما تفعله "قسد" هو بوضوح محاولة لجرّ روسیا إلى صدام مباشر معها، وبالتالی إلى إعادة تسخین المنطقة، بطریقة رد الفعل من قبل الحکومة السوریّة وحلفائها وتحدیداً موسکو. ولیس من الواضح بعد، کیف سیکون التعاون الأمیرکی-الروسی فی سوریا مع الإدارة الجدیدة. السفیر الروسی لدى الولایات المتحدة الأمیرکیّة أناتولی أنطونوف، کان أکد مؤخراً أن واشنطن وموسکو "بإمکانهما التعاون فی سوریا"، خاصةً فی المسائل الإنسانیّة وعودة النازحین السوریین فضلاً عن مکافحة الإرهاب لکن أنطونوف شدد فی الوقت نفسه، على أن أیّ تعاون أمیرکیّ روسیّ "یجب أن یحترم ویحفظ سیادة الدولة السوریّة". وبخصوص "داعش"، یبدو أن هناک محاولة لإعادة بعثها من جدید، وهی الملعب الذی تمارس فیه أمیرکا نشاطها. من الجدیر القول، أنّ السیاسة الأمیرکیّة الجدیدة تجاه سوریا قد تکون أکثر عدائیة من سیاسة ترامب، ولکن لیس أکثر عدائیة من سیاسة أوباما، التی کان لها دور کبیر فی صناعة "داعش". ورأى متحدثٌ باسم وزارة الخارجیة الأمیرکیّة الیوم الخمیس، أن قوات سوریا الدیمقراطیّة "لن تتمکن من الاستمرار فی قطع دابر الإرهاب وحدها"، مشیراً إلى أن "واشنطن تتعاون عن قربٍ مع شرکائها فی شمال سوریا وشرقها". یذکر أنّ "قسد" کانت ضاعفت منذ أکثر من أسبوعین، حصارها على الأحیاء الخاضعة لسیطرة الجیش السوری، فی مدینتی الحسکة والقامشلی، من خلال إغلاق کافة المداخل والمخارج لهذه الاحیاء، والتضییق فی إدخال المواد الغذائیّة والطحین إلى هذه الاحیاء، تزامناً مع قطع الجیش الترکی والمجموعات المسلحة التابعة له المیاه عن مدینة الحسکة وأریافها. فی هذه المرحلة یتمرکز الاحتلال الأمریکی فی شمال شرق سوریا، المنطقة التی کانت تفیض على سوریا بالخیرات، وهی بالحقیقة غلة سوریا ومرکز مؤنها من المحاصیل الزراعیة والثروات النفطیة، ونظرا لتواجد الاحتلال الأمریکی سابقا فی العراق، وجد فی الشمال السوری خاصرة رخوة یمکن احتلالها لسببین: الأول: المساحات الشاسعة التی تمتد علیها هذه المنطقة وعدم قدرة الدولة السوریة على ارسال أعداد کافیة لحمایتها الثانی: تواجد "الأکراد" حلفاء الولایات المتحدة الأمریکیة، الذین یقدمون لها ما ترید ویساعدوهم فی سرقة خیرات سوریا وتهریبها، ویقبلون بکل سرور أن تستخدم واشنطن کأدوات لمشاریعها القذرة. وتستمر عملیات السرقات الأمریکیة فی نهب الثروات السوریة وخصوصا النفط والحبوب بشکل یومی وتحت حمایة میلیشیا "قسد" التی تسهل عملیات دخول وخروج المستعمر الذی یقوم یوماً بعد یوم بعملیات السرقة العلنیة. ولیس جدیدا على الولایات المتحدة سرقة المحاصیل السوریة والانتقام من السوریین، ففی وقت سابق أقدمت طائرات تابعة للجیش الأمریکی على إحراق مئات الدونمات من حقول القمح والشعیر عبر رمیها "بالونات حراریة" فوق الأراضی الزراعیة فی خمسة قرى بریف بلدتی تل براک والهول جنوب شرقی الحسکة السوریة. الخدمة الوحیدة التی یمکن ان تقدمها الولایات المتحدة الامریکیة لسوریا هو الخروج من اراضیها ونقطة آخر السطر.