قطر تختبر حظها فی دوامة الأزمة اللبنانیة

فی ظل الانقسامات السیاسیة الحادة التی أعاقت تشکیل حکومة لبنانیة منذ أشهر، زار وزیر الخارجیة القطری الشیخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانی بیروت یوم الثلاثاء الماضی، لبحث استعداد بلاده لتوسیع الدعم للبنان من خلال المشاریع الاقتصادیة، مشترطاً تشکیل الحکومة. ولکن ما هو الهدف من هذا الإعلان عن الدعم القطری؟ ومن ناحیة أخرى، ما هی التأثیرات التی یمکن أن یترکها دور الدوحة على المشهد السیاسی اللبنانی الملیء بالأزمات؟ تنافس دول مجلس التعاون فی لبنان یمکن رؤیة آثار الخلافات السیاسیة والأیدیولوجیة بین قطر والسعودیة والإمارات فی مجلس التعاون، فی معظم الملفات الإقلیمیة المهمة التی یتواجد فیها الجانبان لإیجاد النفوذ والتأثیر على التطورات. وفی الواقع، یمکن القول إن دور قطر فی التطورات فی لبنان یتعارض مع نوع نشاط السعودیة وسیاستها. إن النهج التدخلی والاستبدادی السعودی فی لبنان، وخاصةً فی عهد ولی العهد الأمیر محمد بن سلمان، بالإضافة إلى خلق الأزمات والتمهید لاستمرارها، أدى إلى نتائج عکسیة وترک الفجوة اللازمة لقطر لرسم دور لها. وفی هذا الصدد، فإن الجدیر بالنظر هو تزامن زیارة وزیر الخارجیة القطری مع عودة سفیر السعودیة إلى لبنان "ولید بخاری" بعد غیاب دام أکثر من ثلاثة أشهر. لطالما لعبت السعودیة دور الراعی العربی فی لبنان، لکن فی عام 2016 علقت الریاض حزمة مساعدات بقیمة 3 ملیارات دولار للضغط على الحکومة اللبنانیة حتى لا تتعاون مع حزب الله. وفی هذا الصدد، توترت هذه العلاقات مرةً أخرى عندما تم احتجاز رئیس الوزراء اللبنانی سعد الحریری، خلال زیارة له للریاض أواخر عام 2017 وإجباره على الاستقالة. واستمرارًا لمثل هذه المنافسة، ستدعم ترکیا کخصم إقلیمی للسعودیة دور قطر، من أجل تقلیص النفوذ السعودی بین السنة اللبنانیین. إشتدّ هذا التنافس منذ عام 2017، عندما قررت السعودیة، إلى جانب الإمارات ومصر والبحرین، فرض عقوبات علی قطر وقطع العلاقات معها، بحیث عملت قطر فی سیاق مواجهة العزلة الإقلیمیة وتعزیز الدفاع عن نفسها ضد الحصار، علی إقامة علاقات قویة مع دول مثل إیران والعراق والأردن ولبنان. لکن من ناحیة أخرى، یمکن أن یعود دور قطر فی لبنان إلى السیاسة العامة المتمثلة فی لعب دور الوسیط والمیسِّر للاستقرار والسلام فی المنطقة لزیادة مکانتها الإقلیمیة والدولیة، ویمکن ملاحظة أمثلة أخرى من ذلک فی قضیة غزة، والسلام فی أفغانستان، والنزاع الإثیوبی السودانی، وحتى إعلان الاستعداد للوساطة بین إیران والسعودیة. إمکانات قطر وقدراتها للعب الدور إن محاولة قطر للعب دور فی التطورات فی لبنان لیس بالأمر الجدید، وقد عقدت الدوحة من قبل اجتماعاً فی عام 2008 للتوفیق بین مختلف المجموعات السیاسیة اللبنانیة، ونتیجةً لذلک انتخب میشال سلیمان رئیساً للبنان، وانتهى 18 صراعاً سیاسیاً. کما قررت الدوحة فی ینایر 2019، شراء سندات حکومیة لبنانیة بقیمة 500 ملیون دولار. وجاءت هذه الخطوة کإشارة على حسن نیة قطر تجاه اللبنانیین، فی وقت لا تبالی فیه السعودیة والإمارات بأزمة لبنان المالیة الکبرى. یشار إلی أن لبنان یواجه أسوأ أزمة اقتصادیة منذ صیف 2019. وقد تسبب هذا فی انخفاض قیمة العملة المحلیة بأکثر من 80٪ مقابل الدولار. کما أدى ذلک إلى تفاقم التضخم وفقد عشرات الآلاف من الوظائف. وکان الشیخ تمیم أمیر قطر الرئیس العربی الوحید لمجلس التعاون الذی حضر القمة العربیة للتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة لعام 2019 فی لبنان. فی الحقیقة، إن الأزمة المالیة الحادة فی لبنان، والتی کانت أحد الأسباب الرئیسیة للاحتجاجات والأزمة السیاسیة فی العام الماضی، جعلت بیروت فی أمس الحاجة إلى مساعدات اقتصادیة خارجیة. فی غضون ذلک، جعلت الکتلة الأجنبیة التی تقودها فرنسا تقدیم المساعدة الاقتصادیة مشروطاً بتشکیل حکومة شاملة، وتنفیذ الإصلاحات الاقتصادیة. وهی قضیة لم یتم تنفیذها حتى الآن، بفعل إصرار تیار الحریری على تشکیل حکومة تکنوقراطیة، إضافةً إلى ضغوط خارجیة من السعودیة والولایات المتحدة. فی الوقت نفسه، ومن أجل أن تکون أکثر نفوذاً، وضعت قطر خطتها مرهونةً بتشکیل الحکومة، لیتوافق ذلک مع المساعدات الدولیة، حیث قال وزیر الخارجیة القطری الشیخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانی للصحفیین فی قصر الرئاسة اللبنانی: "کانت لدینا رسالة .. لحثّ جمیع الأطراف على وضع المصالح الوطنیة فوق المصالح السیاسیة فی تشکیل الحکومة". وأکد أنه "حسب سیاستنا، إننا نقدم المساعدات من خلال المشاریع الاقتصادیة فقط". وشدد وزیر الخارجیة القطری على أن التدخل القطری لم یکن على حساب المبادرة الفرنسیة. وأضاف: "نحن لا نسعى لتقویض المبادرة الفرنسیة، بل لاستکمال الجهود الدولیة لتشکیل حکومة لبنانیة". من ناحیة أخرى، أدى ترحیب حزب الله والرئیس اللبنانی میشال عون بالمبادرة القطریة، إلى زیادة فعالیة خطة الدوحة للتوسط فی التطورات بلبنان.